وإذا
عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما ، لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد وإن شذ قوم فجوزوه .
واختلف الفقهاء في الإمام منهما ; فقالت طائفة هو الذي عقدت له الإمامة في البلد الذي مات فيه من تقدمه لأنهم بعقدها أخص وبالقيام بها أحق وعلى كافة الأمة في الأمصار كلها أن يفوضوا عقدها إليهم ويسلموها لمن بايعوه لئلا ينتشر الأمر باختلاف الآراء وتباين الأهواء .
وقال آخرون بل على كل واحد
[ ص: 10 ] منهما أن يدفع الإمامة عن نفسه ويسلمها إلى صاحبه طلبا للسلامة وحسما للفتنة ليختار أهل العقد أحدهما أو غيرهما ، وقال آخرون بل يقرع بينهما دفعا للتنازع وقطعا للتخاصم فأيهما قرع كان بالإمامة أحق .
والصحيح في ذلك وما عليه الفقهاء المحققون أن الإمامة لأسبقهما بيعة وعقدا كالوليين في نكاح المرأة إذا زوجاها باثنين كان النكاح لأسبقهما عقدا .
فإذا تعين السابق منهما استقرت له الإمامة وعلى المسبوق تسليم الأمر إليه والدخول في بيعته ، وإن
عقدت الإمامة لهما في حال واحد لم يسبق بها أحدهما فسد العقدان واستؤنف العقد لأحدهما أو لغيرهما ، وإن
تقدمت بيعة أحدهما وأشكل المتقدم منهما وقف أمرهما على الكشف ، فإن
نازعاها وادعى كل واحد منهما أنه الأسبق لم تسمع دعواه ولم يحلف عليها ، لأنه لا يختص بالحق فيها وإنما هو حق المسلمين جميعا فلا حكم ليمينه فيه ولا لنكوله عنه وهكذا لو
قطع التنازع فيها وسلمها أحدهما إلى الآخر لم تستقر إمامته إلا ببينة تشهد بتقدمه ، ولو أقر له بالتقدم خرج منها المقر ولم تستقر للآخر لأنه مقر في حق المسلمين ، فإن
شهد له المقر بتقدمه فيها مع شاهد آخر سمعت شهادته إن ذكر اشتباه الأمر عليه عند التنازع ولم يسمع منه إن لم يذكر الاشتباه لما في القولين من التكاذب .
( فصل ) وإذا
دام الاشتباه بينهما بعد الكشف ولم تقم بينة لأحدهما بالتقدم لم يقرع بينهما لأمرين : أحدهما : أن الإمامة عقد والقرعة لا مدخل لها في العقود .
والثاني : أن الإمامة لا يجوز الاشتراك فيها والقرعة لا مدخل لها فيما لا يصح الاشتراك فيه كالمناكح ، وتدخل فيما يصح فيه الاشتراك كالأموال ويكون دوام هذا الاشتباه مبطلا لعقدي الإمامة فيهما ويستأنف أهل الاختيار عقدها لأحدهما ، فلو أرادوا العدول بها عنهما إلى غيرهما ، فقد قيل بجوازه لخروجهما عنها ، وقيل لا يجوز لأن البيعة لهما قد صرفت الإمامة عمن عداهما ولأن الاشتباه لا يمنع ثبوتها في أحدهما .