وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في "صحيحيهما" من حديث nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بمعناه.
قال ابن القيم رحمه الله: العرب سمت شجر العنب كرما لكرمه، والكرم كثرة الخير والمنافع والفوائد وسهولة تناولها من الكريم، ومنه قوله تعالى : فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ، وفي آية أخرى : من كل زوج بهيج ، فهو كريم في مخبره، بهيج في منظره، وشجر العنب قد جمع وجوها من ذلك:
[ ص: 375 ] منها: تذليل ثمره لقاطفه.
ومنها: أنه ليس دونه شوك يؤذي مجتنيه.
ومنها: أنه ليس بممتنع على من أراده لعلو ساقه وصعوبته [ق265] كغيره.
ومنها: أن الشجرة الواحدة تحمل منه مع ضعفها، ودقة ساقها أضعاف ما تحمله غيرها.
ومنها: أن الشجرة منه إذا قطع أعلاها، أخلفت من جوانبها وفروعها، والنخلة إذا قطع أعلاها، ماتت ويبست جملة.
ومنها: أن ثمره يؤكل قبل نضجه، وبعد نضجه، وبعد يبسه.
ومنها: أنه يتخذ منه من أنواع الأشربة الحلوة والحامضة، كالدبس والخل، ما لا يتخذ من غيره، ثم يتخذ من شرابه من أنواع الحلاوة والأطعمة والأقوات ما لا يتخذ من غيره، وشرابه الحلال غذاء وقوت ومنفعة وقوة.
ومنها: أنه يدخر يابسه، قوتا وطعاما وأدما.
ومنها: أن ثمره قد جمع نهاية المطلوب من الفاكهة من الاعتدال، فلم يفرط إلى البرودة كالخوخ وغيره، ولا إلى الحرارة، كالتمر، بل هو في غاية الاعتدال، إلى غير ذلك من فوائده.
وقيل في معنى وجه آخر، وهو: قصد النبي صلى الله عليه وسلم سلب هذا الاسم المحبوب للنفوس التي يلذ لها سماعه، عن هذه الشجرة التي تتخذ منها أم الخبائث، فيسلبها الاسم الذي يدعو النفوس إليها، ولا سيما فإن العرب قد تكون سمتها كرما; لأن الخمر المتخذة منها تحث على الكرم وبذل المال، فلما حرمها الشارع نفى اسم المدح عن أصلها، وهو "الكرم" كما نفى اسم المدح عنها، وهو "الدواء"، فقال: nindex.php?page=hadith&LINKID=101808إنها داء، وليست بدواء ، ومن عرف سر تأثير الأسماء في مسمياتها، نفرة وميلا عرف هذا، فسلبها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم الحسن، وأعطاه ما هو أحق به منها، وهو قلب المؤمن.
ويؤكد المعنى الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه المسلم بالنخلة; لما فيها من المنافع والفوائد، حتى إنها كلها منفعة، لا يذهب منها شيء بلا منفعة، حتى شوكها، ولا يسقط عنها لباسها وزينتها، كما لا يسقط، عن المسلم زينته، فجذوعها للبيوت والمساكن والمساجد وغيرها، وسعفها للسقوف وغيرها، وخوصها للحصر والمكاتل والآنية وغيرها، ومسدها للحبال وآلات الشد والحل وغيرها، وثمرها يؤكل رطبا ويابسا، ويتخذ قوتا وأدما، وهو أفضل المخرج في زكاة الفطر ، تقربا إلى الله، وطهرة للصائم، ويتخذ منه ما يتخذ [ ص: 378 ] من شراب الأعناب، ويزيد عليه بأنه قوت وحده بخلاف الزبيب، ونواه علف للإبل، التي تحمل الأثقال إلى بلد لا يبلغ إلا بشق النفس، ويكفي فيه: أن نواه يشترى به العنب، فحسبك بثمر نواه ثمن لغيره!
والقرآن قد قدم النخيل على الأعناب في موضع، وقدم الأعناب عليها في موضع، وأفرد النخيل عن الأعناب، ولم يفرد العنب عن النخيل.
وفصل الخطاب في المسألة: أن كل واحد منهما في الموضع الذي يكثر فيه، ويقل وجود الآخر أفضل وأنفع، فالنخيل بالمدينة والعراق وغيرهما أفضل وأنفع من الأعناب فيها، والأعناب في الشام ونحوها أفضل وأنفع من [ ص: 379 ] النخيل بها.
ولا يقال: فما تقولون إذا استويا في بلدة ؟ فإن هذا لا يوجد ; لأن الأرض التي يطيب [فيها] النخيل ، ويكون سلطانه ووجوده بها لا يكون للعنب بها سلطان، ولا تقبله تلك الأرض، وكذلك أرض العنب لا تقبل النخيل، ولا يطيب فيها.
والله سبحانه قد خص كل أرض بخاصية من النبات والمعدن والفواكه وغيرها، فهذا في موضعه أفضل وأطيب وأنفع، وهذا في موضعه كذلك.