[ ص: 6 ] فصل ولما كان
كتاب " السنن" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني رحمه الله - من الإسلام بالموضع الذي خصه الله به ، بحيث صار حكما بين أهل الإسلام، وفصلا في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحقون; فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء.
وكان الإمام العلامة الحافظ:
زكي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري - رحمه الله تعالى - قد أحسن في اختصاره وتهذيبه، وعزو أحاديثه، وإيضاح علله وتقريبه، فأحسن حتى لم يكد يدع للإحسان موضعا، وسبق حتى جاء من خلفه له تبعا، جعلت كتابه من أفضل الزاد، واتخذته ذخيرة ليوم الميعاد.
فهذبته نحو ما هذب هو به الأصل، وزدت عليه من الكلام على علل سكت عنها، أو لم يكملها، والتعرض إلى تصحيح أحاديث لم يصححها، والكلام على متون مشكلة لم يفتح مقفلها، وزيادة أحاديث صالحة في الباب لم يشر إليها، وبسط الكلام على مواضع جليلة; لعل الناظر المجتهد لا يجدها في كتاب سواه، فهي جديرة بأن تثنى عليها الخناصر، ويعض عليها بالنواجذ.
[ ص: 7 ] وإلى الله الرغبة أن يجعله خالصا لوجهه، موجبا لمغفرته، وأن ينفع به من كتبه، أو قرأه، أو نظر فيه، أو استفاد منه، فأنا أبرأ إلى الله من التعصب والحمية، وجعل سنة رسوله صلى الله عليه وسلم رافعة لآراء الرجال، منزلة عليها، مسوقة إليها. كما أبرأ إليه من الخطإ والزور والسهو. والله سبحانه عند لسان كل قائل وقلبه، وما توفيقي إلا بالله، وعليه توكلت وإليه أنيب.