قيل في خصومتهما : إن أهل الجاهلية كان يكون لهم إماء يبغين، وفيه نزل قوله تعالى: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ، وكانت السادة تأتي الإماء في خلال ذلك. فإذا أتت إحداهن بولد فربما يدعيه السيد وربما يدعيه الزاني. فإن مات السيد ولم يكن ادعاه ولا أنكره، فادعاه ورثته لحق به، إلا أنه لا يشارك مستلحقه في ميراثه إلا أن يستلحقه قبل القسمة، وإن كان السيد قد أنكره لم يلحق به بحال.
وكان لزمعة بن قيس (والد nindex.php?page=showalam&ids=93سودة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أمة على ما وصف، من أن عليها ضريبة وهو يلم بها، فظهر بها حمل كان يظن أنه من عتبة أخي nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص، وهلك كافرا، فعهد إلى أخيه سعد قبل موته فقال: استلحق الحمل الذي بأمة زمعة. فلما استلحقه سعد خاصمه عبد بن زمعة، فقال سعد: هو ابن أخي، يشير إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، وقال عبد: بل هو أخي، ولد على فراش أبي، يشير إلى ما استقر عليه الحكم في الإسلام، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة إبطالا لحكم الجاهلية .
فقال بعضهم: هذا على سبيل الورع لأجل الشبه الذي رآه بعتبة.
وقال بعضهم: إنما جعله عبدا لزمعة، قال: والرواية " هو لك عبد " فإنما جعله عبدا لعبد بن زمعة لكونه رأى شبهه بعتبة، فيكون منه غير لاحق بواحد منهما فيكون عبدا لعبد بن زمعة، إذ هو ولد زنا من جارية زمعة.
[ ص: 567 ] وأما أمره سودة - وهي أخته - بالاحتجاب منه فهذا يدل على أصل وهو تبعيض أحكام النسب، فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره، ولا يكون أخاها في المحرمية والخلوة والنظر إليها؛ لمعارضة الشبه للفراش، فأعطى الفراش حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها، وأعطى الشبه حكمه من عدم ثبوت المحرمية لسودة.
وهذا باب من دقيق العلم وسره لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره، المعنيون بالنظر في مأخذ الشرع وأسراره. ومن نبا فهمه، عن هذا وغلظ عنه طبعه فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم، لا في الميراث ولا في النفقة ولا في الولاية.
وهذا ينفع في مسألة البنت المخلوقة من ماء الزاني، فإنها بنته في تحريم النكاح عليه عند الجمهور، وليست بنتا في الميراث ولا في النفقة ولا في المحرمية.
وبالجملة: فهذا من أسرار الفقه، ومراعاة الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام، وترتيب مقتضى كل وصف عليه. ومن تأمل الشريعة أطلعته من ذلك على أسرار وحكم تبهر الناظر فيها.
ونظير هذا: ما لو أقام شاهدا واحدا وحلف معه على سارق أنه سرق متاعه ثبت حكم السرقة في ضمان المال على الصحيح، ولم يثبت حكمها في وجوب القطع اتفاقا. فهذا سارق من وجه دون وجه، ونظائره كثيرة.
وهذا الولد الذي وقع فيه الاختصام هو عبد الرحمن بن زمعة مذكور في كتاب الصحابة.
وهو حجة على من يقول: إن الأمة لا تكون فراشا ويحمل قوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=663447الولد للفراش على الحرة؛ فإن سبب الحديث في الأمة فلا يتطرق إليه تخصيص، لأن محل السبب فيه كالنص، وما عداه في حكم الظاهر. والله أعلم.