وهذه الأحاديث متفق عليها، وذهب إليها من أبطل المزارعة.
وأما الذين صححوها: فهم فقهاء الحديث كالإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر وأبي [ ص: 442 ] داود، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس وعبد الرحمن بن الأسود وموسى بن طلحة nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومحمد بن عبد الرحمن ومعاذ العنبري وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وعبد الرحمن بن يزيد.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه: قال قيس بن مسلم عن أبي جعفر " ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع " قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: وزارع nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز والقاسم nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين، وعامل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الناس على " إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا "، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فينفقان جميعا [ ص: 443 ] فما يخرج فهو بينهما، ورأى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري.
وهذا أمر صحيح مشهور قد عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم خلفاؤه الراشدون من بعده حتى ماتوا، ثم أهلوهم من بعدهم، ولم يبق بالمدينة أهل بيت حتى عملوا به، وعمل به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعده.
ومثل هذا يستحيل أن يكون منسوخا، لاستمرار العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبضه الله، وكذلك استمرار عمل خلفائه الراشدين به، فنسخ هذا من أمحل المحال.
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج: فجوابه من وجوه.
[ ص: 444 ] أحدها: أنه حديث في غاية الاضطراب والتلون.
قال الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: حديث nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج: ألوان.
فإن قيل: إن كان قد أنكره بعض الصحابة عليه، فقد أقره nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، ورجع إليه ؟
فالجواب: أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما لم يحرم المزارعة، ولم يذهب إلى حديث رافع، وإنما كان شديد الورع، فلما بلغه حديث رافع خشي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث في المزارعة شيئا لم يكن علمه، فتركها لذلك.
وقد جاء هذا مصرحا به في الصحيحين " أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إنما تركها [ ص: 445 ] لذلك ولم يحرمها على الناس ".
الثالث: أن في بعض ألفاظ حديث رافع ما لا يقول به أحد، وهو النهي عن كراء المزارع على الإطلاق.
ومعلوم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن كرائها مطلقا، فدل على أنه غير محفوظ.
وقوله " ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه، وأما شيء مضمون معلوم فلا بأس "
وهذا من أبين ما في حديث رافع وأصحه، وما فيها من مجمل أو مطلق أو مختصر، فيحمل على هذا المفسر المبين المتفق عليه لفظا وحكما.
قال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد: الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر إذا نظر إليه ذو البصر بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز.
وقال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك العلل.
فلا تعارض إذن بين حديث رافع وأحاديث الجواز بوجه.
السادس: أنه لو قدر معارضة حديث رافع لأحاديث الجواز، وامتنع الجمع بينها لكان منسوخا قطعا بلا ريب؛ لأنه لا بد من نسخ أحد الخبرين، ويستحيل نسخ أحاديث الجواز لاستمرار العمل بها من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي واستمرار عمل الخلفاء الراشدين بها وهذا أمر معلوم عند من له خبرة بالنقل كما تقدم ذكره فيتعين نسخ حديث رافع.
[ ص: 447 ] السابع: أن الأحاديث إذا اختلفت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ينظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده، وقد تقدم ذكر عمل الخلفاء الراشدين وأهليهم وغيرهم من الصحابة بالمزارعة.
الثامن: أن الذي في حديث رافع: إنما هو النهي عن كرائها بالثلث، أو الربع لا عن المزارعة، وليس هذا بمخالف لجواز المزارعة، فإن الإجارة شيء والمزارعة شيء فالمزارعة من جنس الشركة يستويان في الغنم والغرم فهي كالمضاربة بخلاف الإجارة، فإن المؤجر على يقين من المغنم، وهو الأجرة والمستأجر على رجاء، ولهذا كان أحد القولين للمجوزين المزارعة: أنها أحل من الإجارة وأولى بالجواز؛ لأنهما على سواء في الغنم والغرم، فهي أقرب إلى العدل، فإذا استأجرها بثلث أو ربع كانت هذه إجارة لازمة، وذلك لا يجوز، ولكن المنصوص عن الإمام أحمد جواز ذلك.
واختلف أصحابه على ثلاثة أقوال في نصه.
فقالت طائفة: يصح ذلك بلفظ المؤاجرة ويكون مزارعة، فيصح بلفظ الإجارة كما يصح بلفظ المزارعة.
قالوا: والعبرة في العقود بمعانيها وحقائقها لا بصيغها وألفاظها.
قالوا: فتصح مزارعة، ولا تصبح إجارة وهذه طريقة الشيخ أبي محمد.
الثاني: أنها لا تصح إجارة ولا مزارعة.
أما الإجارة: فلأن من شرطها كون العوض فيها معلوما متميزا معروف الجنس والقدر، وهذا منتف في [ ص: 448 ] الثلث والربع.
وأما المزارعة: فلأنهما لم يعقدا عقد مزارعة.
إنما عقدا عقد إجارة وهذه طريقة أبي الخطاب.
الثالث: أنها تصح مؤاجرة ومزارعة، وهي طريقة القاضي وأكثر أصحابه.
فحديث رافع: إما أن يكون النهي فيه عن الإجارة دون المزارعة، أو عن المزارعة التي كانوا يعتادونها، وهي التي فسرها في حديثه.
وأما المزارعة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفاؤه من بعده فلم يتناولها النهي بحال.
التاسع: أن ما في المزارعة من الحاجة إليها والمصلحة، وقيام أمر الناس يمنع من تحريمها والنهي عنها؛ لأن أصحاب الأرض كثيرا ما يعجزون عن زرعها ولا يقدرون عليه، والعمال والأكرة يحتاجون إلى الزرع، ولا أرض لهم، ولا قوام لهؤلاء ولا لهؤلاء إلا بالزرع، فكان من حكمة الشارع ورحمته بالأمة وشفقته عليها، ونظره لهم: أن جوز لهذا أن يدفع أرضه لمن يعمل عليها، ويشتركان في الزرع هذا بعمله، وهذا بمنفعة أرضه، وما رزقه الله فهو بينهما، وهذا في غاية العدل والحكمة، والرحمة والمصلحة.
وما كان هكذا فإن الشارع لا يحرمه ولا ينهى عنه، لعموم مصلحته وشدة الحاجة إليه، كما في المضاربة والمساقاة، بل الحاجة في المزارعة آكد منها في المضاربة، لشدة الحاجة إلى الزرع إذ هو القوت والأرض لا [ ص: 449 ] ينتفع بها إلا بالعمل عليها بخلاف المال.
فالجواب: أن الشارع لا ينهى عن المنافع والمصالح، وإنما ينهى عن المفاسد والمضار وهم ظنوا أن ذلك المنهي عنه منفعة، وإنما هو مضرة ومفسدة مقتضية للنهي، وما تخيلوه من المنفعة فهي منفعة جزوية لرب الأرض لاختصاصه بخيار الزرع وما سعد منه بالماء، وما على أقبال الجداول، فهذا - وإن كانت منفعة له - فهو مضرة على المزارع، فهو من جنس منفعة المربي بما يأخذه من الزيادة، وإن كان مضرة على الآخر.
والشارع لا يبيح منفعة هذا بمضرة أخيه،
فجواب رافع: أن هذا وإن كان منفعة لكم فهو مضرة على إخوانكم فلهذا نهاكم عنه.
وأما المزارعة العادلة التي يستوي فيها العامل ورب الأرض فهي منفعة لهما، ولا مضرة فيها على أحد، فلم ينه عنها،
فالذي نهى عنه مشتمل على مضرة ومفسدة راجحة في ضمنها منفعة مرجوحة جزوية، والذي فعله وأصحابه من هذه مصلحة ومنفعة راجحة، لا مضرة فيها على واحد منهما، فالتسوية بين هذا وهذا تسوية بين متباينين لا [ ص: 450 ] يستويان عند الله ولا عند رسوله.
وكذلك الجواب عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر سواء.
واتفقت السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتآلفت، وزال عنها الاضطراب والاختلاف، وبان أن لكل منها وجها، وأن ما نهى عنه غير ما أباحه وفعله، وهذا هو الواجب والواقع في نفس الأمر، والحمد لله رب العالمين.