المطلب الثالث:
الإيصاء بحج التطوع
الحج عن الميت تطوعا يشرع إذا أوصى بذلك: عند
الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
وأما
المالكية فظاهر كلامهم: أنه لا فرق بين الحج الواجب والتطوع، فالكل عندهم لا تجوز فيه النيابة إلا بالوصية.
جاء في المدونة: «قلت
لابن القاسم: ما قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيمن مات وهو صرورة فلم يوص أن يحج عنه، أيحج عنه أحد يتطوع بذلك عنه ولد أو والد أو زوجة أو أجنبي من الناس؟قال: قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: يتطوع عنه بغير هذا، يهدى عنه، أو يتصدق عنه، أو يعتق عنه».
وجاء في الشرح الصغير المعتمد في المذهب: «أن النيابة عن الحي لا تجوز، ولا تصح مطلقا إلا عن ميت أوصى به».
مسائل تتعلق بالإيصاء بالحج:
المسألة الأولى: عدد الحجات:
الأمر يختلف هنا باختلاف صيغة الوصية، وعليه فلا يخلو من أحوال:
[ ص: 178 ] الأول: أن
يوصي بحجة واحدة أو أكثر، فإنه يعمل بوصيته ما دام الموصى به للحج يكفي لأكثر من حجة.
الثاني: أن يطلق ولم يسم مالا، بل قال: حجوا عني، فإنه لا يحج عنه أكثر من حجة واحدة; لأنها أقل ما يصدق عليه اللفظ; لأن صيغة الأمر لا تفيد التكرار على الصحيح عند الأصوليين.
الثالث: إذا عين المال ولم يعين من يحج عنه به، فإنه لا يتعين جميع المال لمن يحج به، ويجوز الاستئجار بأقل مما سماه إذا وجد من يحج عنه بأقل، والزائد على ذلك يرجع ميراثا، كما أنه إذا وجد من يتطوع عنه بالحج فإن المال المسمى كله يرجع ميراثا مطلقا، سواء قال: حجوا عني حجة، أو يحج عني بكذا، أو حجوا عني بكذا، وقوفا مع نص الوصية في الصيغة الأولى بتصريحه بالواحدة، وعملا بقاعدة: الأمر لا يدل على التكرار، وأن الأمر بمطلق يخرج من العهدة منه بواحدة.
وقيل: إن قال: حجوا عني بهذا المال ولم يحدد عدد الحجات، فإنه يحج عنه به حتى ينفذ المال.
وعند
الحنابلة: إذا سمى المال ولم يعين من يحج به أعطي جميع المسمى لمن يحج به عنه، وللوصي أن يصرفه لمن يشاء، ولا يحج عنه الوصي بنفسه، كما لا يعطيه للوارث إذا كان أكثر من نفقة المثل.
فرع: فإن قال: حجوا عني منه، فإنه لا يحج عنه أكثر من حجة واحدة، وما فضل من المال يرجع ميراثا; لأن كلمة «من» تفيد التبعيض بخلاف الباء؛ ولهذا يجب الحج بجميع المال الموصى به إذا قال: حجوا به، ما لم يكن هناك عرف.
[ ص: 179 ] المسألة الثانية: من يحج عنه:
لا يخلو من أحوال:
الأول: أن
يعين من يحج عنه، ويسمي له ما يحج به، مثل أعطوا فلانا ثلثي ليحج عني، أو أعطوه عشرة آلاف، ونحوه.
هذه الحال يتعين من عينه، وما سماه له، ولو زاد على أجرة المثل، ولا يجوز للورثة النقص منه إذا حمله الثلث إلا أن يرضى المعين بالحج عنه بأقل من ذلك، ولا يلزم الورثة ما زاد على الثلث مطلقا في الفريضة والتطوع عند
المالكية والحنفية.
وقال
الشافعية والحنابلة: إذا لم يكف الثلث في حج الفريضة يتم الباقي من رأس المال.
واختلف إذا وجد من يحج عنه بأقل مما سماه للمعين، أو وجد من يتطوع بالحج عنه دون ما سماه للموصى له المعين، فقال
الشافعية: يتعين إعطاء الموصى له ما سماه له الموصي، كما لو أوصى له بمال تبرعا، وعند
المالكية: يجوز الاستئجار بالأقل، والزائد للورثة، وإذا وجد من يتطوع عنه فالمال كله للورثة.
واتفق
المالكية، والشافعية، والحنابلة: على أنه إذا كان المعين وارثا لم يلزم الورثة إعطاؤه ما زاد على أجرة المثل، وتوقف على إجازة الورثة; لأنه يؤدي إلى وصية الوارث فيما زاد على أجرة المثل.
واختلف إذا امتنع المعين من الحج بما سمي له، فعند
الشافعية: يحج غيره بأقل ما يوجد مطلقا في الفريضة والتطوع.
[ ص: 180 ] وقال
المالكية: تبطل الوصية، ويرجع المال ميراثا; لتعذر تنفيذ الوصية، وقياسا على من أوصى له بمال فرد الوصية.
وقال
الحنابلة: يستناب غيره بأقل ما يمكن، إن كان الحج واجبا، وإن كان تطوعا فلهم احتمالان بالبطلان واستنابة غيره.
الحال الثانية: أن يعين فيها من يحج عنه ولم يسم له مالا محددا، فللعلماء أقوال:
القول الأول: أنه لا يعطى إلا قدر نفقة المثل، وإن فضل عن ذلك فضل فهو للورثة، بناء على منع الاستئجار على الحج.
القول الثاني: يعطى أجرة المثل، بناء على جواز الاستئجار على الحج.
وهو قول
الشافعية.
الحال الثالثة: إذا لم يعين من يحج عنه، ولا ما يحج به عنه، واكتفى بالوصية بأن يحج عنه، فإنه يحج عنه حجة واحدة من الثلث مطلقا، أو من رأس المال إذا كان الحج واجبا، ومن الثلث إذا كان تطوعا على الخلاف السابق بين
المالكية والحنفية من جهة،
والشافعية والحنابلة من جهة أخرى.