[ ص: 304 ] واستدل القول الرابع: بقوله تعالى:
لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا وجه الاستدلال بهذه الآية: أن الله جعل اجتماعهم في المدينة جوارا.
وأجيب عن هذا الاستدلال: أن الجوار يترتب عليه بعض الحقوق والآداب الواجبة والمستحبة، وبالتالي فلا ينضبط هذا الأمر إذا قلنا بهذا القول، ولئن أمكن ذلك فيما مضى فلا يمكن الآن وبخاصة مع اتساع العمران.
ولم أقف على دليل للقول الخامس والسادس والسابع.
ويمكن أن يستدل للقول الثامن: بأن الاستدلالات المذكورة في هذه المسألة لا تخلو من ضعف، وبالتالي فلا تنهض للاحتجاج، فلم يبق إلا العرف، وقد عهد من أحوال الشريعة الأخذ به في أمثال هذه المسائل.
واعترض
الشوكاني – رحمه الله - على هذا القول فقال: «وأما الأعراف في مسمى الجوار فهي تختلف باختلاف أهله، ولا يصح حمل القرآن على أعراف متعارفة، واصطلاحات متواضعة» .
ويمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض: بأن محله فيما ورد فيه نص، فأما ما لا نص فيه فإن العرف حجة، كما قرر ذلك في علم الأصول.
[ ص: 305 ] الترجيح:
الراجح - والله أعلم - أن
مسمى الجار يرجع فيه إلى العرف; إذ ما ورد مطلقا على لسان الشارع، فإنه يرجع إلى العرف في تحديده وضبطه.