الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
المسألة الثانية: جهة الإنفاق إذا كان الوقف على جهة عامة:

إذا كان الوقف على جهة عامة كالمساجد، والمدارس، والثغور، والآبار، ونحو ذلك، فاحتاجت إلى عمارة، فاختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جهة عمارة هذه الأوقاف على قولين:

القول الأول: وجوب عمارتها من الغلة، فإن لم يمكن فمن بيت المال.

وهذا قول جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية.

ونص المالكية: أنه إذا وجد متطوع قدم على بيت المال.

القول الثاني: أنه تجب عمارتها في بيت المال، فإن تعذر فمن غلته، فإن تعذر بيع.

وهو مذهب الحنابلة.

الأدلة:

أدلة الرأي الأول:

(244) 1 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته ، فوقصته أو قال : فأقعصته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين أو قال : ثوبيه» .

[ ص: 357 ] فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المؤنة في مال المتوفى، فكذا عمارة الوقف إذا كان له غلة.

2 - حديث سهل بن أبي حثمة: «أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه : أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر، من جهد أصابهم، فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في فقير أو عين، فأتى يهود فقال : أنتم والله قتلتموه، قالوا: ما قتلناه والله ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب» ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم به، فكتبوا : ما قتلناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن : «أتحلفون، وتستحقون دم صاحبكم؟» ، قالوا: لا، قال: «أفتحلف لكم يهود؟» ، قالوا : ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة حتى أدخلت الدار، قال سهل : فركضتني منها ناقة» .

فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية في بيت المال، فكذا عمارة الوقف; إذ كل من المصالح.

3 - حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخراج بالضمان» .

وجه الدلالة: دل الحديث على أن من له خراج شيء أي: غلته، فعليه ضمانه، ومن ذلك عمارته.

4 - أنه إذا لم يكن غلة فمن بيت المال; لأن مصرف بيت المال المصالح.

5 - ولأنه من حاجة المسلمين، فكان من بيت المال.

[ ص: 358 ] دليل القول الثاني: (تجب العمارة في بيت المال، فإن تعذر فمن غلته) :

استدل لهذا الرأي: بما تقدم من الدليل الثاني والثالث للرأي الأول.

ونوقش: بالتسليم، لكن إن كان له غلة فلما تقدم من دليل الرأي الأول.

التالي السابق


الخدمات العلمية