المسألة الثالثة:
تأجير الموقوف عليه للوقف:
هذا لا يخلو من أحوال:
[ ص: 379 ] الحالة الأولى: أن يكون الوقف مطلقا - كما لو قال - وقفت داري على زيد، ففي هذه الحال تكون المنافع مملوكة للموقوف عليه، وعلى هذا فله أن يستوفيها بنفسه، ويجوز له أن يتصرف فيها بإعارة أو إجارة أو غيرها.
الحالة الثانية: أن يكون مالكا للمنفعة، فله حق التأجير; لأن له الحق في استيفائها بنفسه، أو بنائبه.
الحالة الثالثة: أن يكون له حق الانتفاع فقط، فهذا لا يملك التأجير، وإنما يملك الانتفاع لنفسه.
الحالة الرابعة: أن يجعل الواقف للموقوف عليه حق تمليك المنافع - أي: الاستغلال - .
فعند أكثر الحنفية: أن الموقوف عليه لا يملك الانتفاع بتلك الدار الموقوفة مثلا السكنى، وإنما يملك التصرف في هذه المنافع بالإجارة، والإعارة، ونحو ذلك من التصرفات.
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يملك الأمرين جميعا فإن شاء سكن، وإن شاء تصرف في هذه المنافع.
قال
ابن عابدين: «ولا تصح إجارة من له السكنى إذا لم يكن متوليا، ولو زادت على قدر حاجته، ولا مستحق غيره» .
قال
القرافي: «إذا وقف وقفا على أن يسكن أو على السكنى، ولم يزد على ذلك فظاهر اللفظ: يقتضي أن الواقف إنما ملك الموقوف عليه الانتفاع بالسكنى دون المنفعة، فليس له أن يؤاجر غيره، ولا يسكنه» .
[ ص: 380 ] وقال
النووي: «المنافع المستحقة للموقوف عليه يجوز أن يستوفيها بنفسه، ويجوز أن يقيم غيره مقامه بإعارة أو إجارة والأجر ملك له، هذا إن كان الوقف مطلقا، فإن قال: وقفت داري ليسكنها من يعلم الصبيان في هذه القرية فللمعلم أن يسكنها، وليس له أن يسكنها غيره بأجرة ولا بغيرها، ولو قال: وقفت داري على أن تستغل، وتصرف غلتها إلى فلان تعين الاستغلال، ولم يجز له أن يسكنها.
وقال
ابن القيم: «تمليك المنفعة شيء، وتمليك الانتفاع شيء آخر، فالأول يملك به الانتفاع والمعاوضة، والثاني يملك به الانتفاع دون المعاوضة» .