المسألة الثالثة:
حكمة مشروعية السلم :
إن عقد السلم مما تدعو إليه الحاجة، ومن هنا كان في إباحته رفع للحرج عن الناس، فالمزارع مثلا قد لا يكون عنده المال الذي ينفقه في إصلاح أرضه، وتعهد زرعه إلى أن يدرك ، ولا يجد من يقرضه ما يحتاج إليه من المال، ولذلك فهو في حاجة إلى نوع من المعاملة يتمكن بها من الحصول على ما يحتاج إليه من المال، وإلا فاتت عليه مصلحة استثمار أرضه، وكان في حرج ومشقة وعنت، فمن أجل ذلك أبيح السلم.
وقد أشار إلى هذه الحكمة
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في المغني حيث قال: "ولأن المثمن في البيع أحد عوضي العقد، فجاز أن يثبت في الذمة كالثمن، ولأن بالناس حاجة إليه ; لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتكمل، وقد تعوزهم النفقة، فجوز لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم بالاسترخاص".
وقال
ابن القيم في إعلام الموقعين : "وأما السلم فمن ظن أنه على خلاف القياس توهم دخوله تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670795 "لا تبع ما ليس عندك" فإنه بيع معدوم، والقياس يمنع منه، والصواب أنه على وفق القياس، فإنه بيع مضمون في الذمة ، موصوف مقدور على تسليمه غالبا، وهو كالمعاوضة على المنافع في الإجارة، وقد تقدم أنه على وفق القياس، وقياس السلم على بيع العين المعدومة التي لا يدرى أيقدر على تحصيلها أم لا، والبائع والمشتري منها على غرر، من أفسد القياس صورة ومعنى، وقد فطر الله العقلاء على
[ ص: 163 ] الفرق بين بيع الإنسان ما لا يملكه ولا هو مقدور له، وبين السلم إليه في مغل مضمون في ذمته مقدور في العادة على تسليمه، فالجمع بينهما كالجمع بين الميتة والمذكى، والربا والبيع".