الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
المطلب الثالث: حكمها

أما حكمها التكليفي: فمستحبة، حكي الإجماع على ذلك، ما لم يترتب على ذلك محظور.

قال الشربيني: "وانعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها...، وقد يعرض لها أسباب تخرجها عن ذلك: منها الهبة لأرباب الولايات والعمال، فإنه يحرم عليهم قبول الهدية من أهل ولاياتهم ممن ليست له عادة بذلك قبل الولاية كما هو محرر في محله، ومنها: ما لو كان المتهب يستعين بذلك على معصية".

ويستحب أن يعلمها ولده، ففي مجمع الأنهر: « قال الإمام أبو منصور:

[ ص: 39 ] يجب على المؤمن أن يعلم ولده الجود والإحسان كما يجب أن يعلمه التوحيد والإيمان; إذ حب الدنيا رأس كل خطيئة".

قال ابن القيم: « والأمة مجمعة على جواز أكل الهدية، وإن كانت من فاسق أو كانت من صبي، ومن نازع في ذلك لم يمكنه العمل بخلافه، وإن قاله بلسانه".

وقال: "الهدية إذا شرفت وخرجت عن حد الحقارة وقعت موقعا حسنا عند المهدى إليه، ودلت على شرف نفس المهدي، وكبر همته".

قال النووي: "قال أصحابنا: وفعلها مع الأقارب ومع الجيران أفضل من غيرهم ; للأدلة المتكاثرة في فضل صلة الرحم، وإكرام الجار".

ويهدي القليل والكثير: قال النووي: "ينبغي أن لا يحتقر القليل فيمتنع من إهدائه، وأن لا يستنكف المهدى إليه عن قبول القليل".

(1 ) لما رواه البخاري ومسلم من طريق المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة".

قال الشيخ ابن باز: "وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير; [ ص: 40 ] لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت، وإذا تواصل اليسير صار كثيرا، وفيه استحباب المودة وإسقاط التكلف".

قال ابن بطال: "قوله: (اتقوا النار ولو بشق تمرة ) حض على الصدقة بالقليل، وقد تصدقت عائشة بتمرة، وتصدقت بحبة عنب، وقالت: كم فيها من مثاقيل الذر، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لأبي تميمة الهجيمي: "لا تحقرن شيئا من المعروف ولو أن تضع من دلوك في إناء المستقي".

والصدقة في معنى الهبة.

(2 ) ولما روى البخاري من طريق شعبة، عن سليمان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي ذراع أو كراع لقبلت".

قال ابن عبد البر: "وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة كان يهدي إلى أصحابه وغيرهم...".

ويستحب أن يقدم أقاربه في هديته ; (3 ) لما روى البخاري من طريق كريب مولى ابن عباس، أن ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت وليدة، فقال لها: "لو وصلت بعض أخوالك كان أعظم لأجرك".

وذوي الفضل والعلم ; (4 ) لما روى البخاري من طريق هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: "أن [ ص: 41 ] الناس كانوا يتحرون بهداياهم صلى الله عليه وسلم - يوم عائشة، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وأقرب الجارين بابا.

(5 ) لما روى البخاري من طريق طلحة بن عبد الله، عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابا ".

وتحرم إذا كانت في موضع الرشوة كهدايا العمال كما سيأتي.

وتكره كما نص الحنابلة إذا كانت مباهاة أو سمعة أو رياء.

(6 ) لما روى البخاري ومسلم من طريق سلمة بن كهيل، عن جندب العلقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يسمع يسمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به".

ويظهر أن الاقتصار على الكراهة حال السمعة والرياء فيه نظر; لما تقدم من الحديث; إذ دل على عقوبة شديدة لا تكون إلا على ذنب عظيم.

ولأن الرياء نوع من الشرك الأصغر.

وتباح الهبة: إذا كانت لجميع المال بشرطه.

[ ص: 42 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية