المسألة الثالثة:
الفرق بين الهبة، والرشوة
بين الهبة والرشوة فروق:
1 - أن أصل الهبة مندوب إليها شرعا، ولكن هذا في حق من لم يتعين لعمل من أعمال المسلمين، فأما من تعين لعمل كالقضاة والولاة والعمال والموظفين ونحوهم، فعليهم التحرز عن قبولها خصوصا ممن كان لا يهدى إليه قبل ولايته; لأنها تكون من باب الاستمالة لقضاء حاجة من الحاجات التي يجب على الموظف قضاؤها بدون إهداء، فإذا حصل الإهداء كان هذا نوعا من الرشوة، أما إذا علم أن المهاداة من أجل معنى آخر وليس من أجل العمل، كالقرابة مثلا، أو كان بينهما مهاداة، فلا بأس، وسيأتي بيان ذلك في بيان أقسام الهدية للموظفين.
قال شيخ الإسلام: "قال العلماء: إن من أهدى هدية لولي أمر ليفعل معه
[ ص: 51 ] ما لا يجوز كان حراما على المهدي والمهدى إليه، وهذه من الرشوة التي قال فيها النبي:
nindex.php?page=hadith&LINKID=663627 "لعن الله الراشي والمرتشي".
قال
ابن القيم: "والفرق بين الهدية والرشوة وإن اشتبها في الصورة والقصد، فإن الراشي قصده بالرشوة التوصل إلى إبطال حق أو تحقيق باطل، فهذا الراشي الملعون على لسان رسول الله، فإن رشا لدفع الظلم عن نفسه اختص المرتشي وحده باللعنة، وأما المهدي فقصده استجلاب المودة والمعرفة والإحسان، فإن قصد المكافأة فهو معاوض، وإن قصد الربح فهو مستكثر".
2 - أن المرتشي في جميع الأحوال يكون آثما، بل يكون فاعلا لكبيرة من الكبائر، ويدل لذلك ورود اللعن للمرتشي.
وإذا وقع من الحاكم قبول الرشوة، فإنه ينعزل لبطلان عدالته بصدور هذه المعصية الكبيرة منه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687381 "لعنة الله على الراشي والمرتشي".
3 - بذل الرشوة على حق، أو لدفع الضرر والظلم لا يأثم فيها الباذل.
قال شيخ الإسلام: "فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه، أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ، وجاز للدافع أن يدفعها إليه ".
4 - بذل الأموال للحصول على المناصب والأعمال رشوة محرمة، هذا من حيث الأصل، وسيأتي في هدايا الموظفين.
5 - بذل الرشوة لإبطال حق أو إحقاق باطل يأثم فيها الراشي والمرتشي والرائش باتفاق.
[ ص: 52 ] 6 - ما يأخذه أصحاب السلطة من هدايا لقاء دفع الظلم عن المظلوم هو من باب الرشوة المحرمة.
7 - تسمية الرشوة بغير اسمها لا يغير حقيقتها.
8 - الرشوة ليست قاصرة على إعطاء الأعيان المالية، وإنما تشمل إعطاء المنافع.
9 -
ما يأخذه الشهود من الهدايا وقت الخصومة من الخصمين هو من باب الرشوة المحرمة.
10 - هدية المفتي على نوعين: إما أن يهدى إليه لعلمه وصلاحه تحببا وتوددا إليه، فهذا جائز.
وإما أن يهدى إليه لغرض دنيوي، كالترخيص في الفتوى، فهذا لا يجوز.
قال
ابن القيم: "وأما الهدية ففيها تفصيل: فإن كانت بغير سبب الفتوى كمن عادته يهاديه، أو من لا يعرف أنه مفت فلا بأس بقبولها، والأولى أن يكافئ عليها وإن كانت بسبب الفتوى، فإن كانت سببا إلى أن يفتيه بما لا يفتي به غيره ممن لا يهدي له لم يجز له قبول هديته، وإن كان لا فرق بينه وبين غيره عنده في الفتيا، بل يفتيه بما يفتي به الناس كره له قبول الهدية; لأنها تشبه المعاوضة على الإفتاء.
وأما أخذ الرزق من بيت المال، فإن كان محتاجا إليه جاز له ذلك، وإن كان غنيا عنه ففيه وجهان، وهذا فرع متردد بين عامل الزكاة وعامل اليتيم، فمن ألحقه بعامل الزكاة قال: النفع فيه عام فله الأخذ، ومن ألحقه بعامل اليتيم منعه من الأخذ، وحكم القاضي في ذلك حكم المفتي، بل القاضي أولى بالمنع، والله أعلم.
[ ص: 53 ] 11. يقاس على هدية المفتي هدية الواعظ والمدرس، وسيأتي بيان ذلك في هدايا الموظفين.
12 - يحرم على القاضي أن يأخذ الهدية ممن له خصومة مطلقا.
13 - تخرج الرشوة عن ملك الراشي إذا بذلت لعمل محرم، وتكون لبيت المال عقوبة له، وإذا دفعت لعمل مباح جاز ردها إلى صاحبها.
14 - جريمة الرشوة مالية تثبت بما تثبت به الأموال من الشهادة، أو إقرار المتهم على نفسه، أو القرينة القاطعة.
15 - عقوبة الرشوة من العقوبات التعزيرية التي يختار لها الحاكم ما يتناسب معها وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
16. ملكية المرتشي للرشوة قائمة على الحرام فلا تحقق; لأنها لم تستند إلى سبب شرعي.