الوجه الخامس: أن قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652397 "أرجعه" دليل على الصحة، ولو لم تصح
[ ص: 467 ] الهبة لم يصح الرجوع، وإنما أمره بالرجوع; لأن
للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده، وإن كان الأفضل خلاف ذلك، ولكن استحباب التسوية رجح على ذلك; فلذلك أمره به.
وأجيب: بأن معنى
nindex.php?page=hadith&LINKID=652397 "أرجعه" أي: لا تمض الهبة المذكورة، ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة.
الوجه السادس: أن قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=887975 "أشهد على هذا غيري" إذا بالإشهاد على ذلك، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام، وكأنه قال: لا أشهد; لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد، وإنما من شأنه أن يحكم.
وأجيب: بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة، ولا من أدائها إذا تعينت عليه، وقد صرح المحتج بهذا أن الإمام إذا شهد عند بعض نوابه جاز.
وأما قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=887975 "أشهد" فليست صيغة إذا فليس كذلك بل هو للتوبيخ; لما يدل عليه بقية ألفاظ الحديث، حيث أمر برد تلك الصدقة، وأخبر أنها جور، فالمراد به: التوبيخ والوعيد، كقوله تعالى:
فإن شهدوا فلا تشهد معهم ليس على إباحة الشهادة على الجور والباطل، لكن كما قال تعالى:
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وقوله:
اعملوا ما شئتم ثم
[ ص: 468 ] على فرض أن قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=887975 "أشهد على هذا غيري" صيغة أمر، فالمراد به نفي الجواز، كقوله صلى الله عليه وسلم، (204 ) فيما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من حديث
هشام، عن أبيه، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652375 "خذيها فأعتقيها واشترطي لهما الولاء، فإن الولاء لمن أعتق".
الوجه السابع:
(205 ) ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12129عبيد الله بن سعيد، عن
يحيى، عن
فطر قال: حدثني
مسلم بن صبيح قال: سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان رضي الله عنهما، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=669886 "ألا سويت بينهم"، فدل على أن المراد بالأمر الاستحباب، وبالنهي التنزيه.
وأجيب: بأن هذا جيد، لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة، ولا سيما أن تلك الرواية بعينها، وردت بصيغة الأمر أيضا (5 ) حيث قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=669887 "سو بينهم".
الوجه الثامن: ما جاء في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، قال
ابن عون: فحدثت به
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد - ابن سيرين - فقال: "إنما تحدثنا أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=887977 "قاربوا بين أولادكم". [ ص: 469 ] وأجيب عن ذلك بثلاثة أمور:
الأول: أنه منقطع.
الثاني: أنه لو صح، فإن المقاربة الاجتهاد في التعديل، كما قال تعالى:
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة فصح أن المجتهد في التعديل بين أولاده إن لم يصادف حقيقة التعديل كان مقاربا إذا لم يقدر على أكثر من ذلك.
الثالث: أن المخالفين لا يوجبون المقاربة كما لا يوجبون التسوية.
الوجه التاسع: التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في بر الوالدين قرينة تدل على أن الأمر للندب.
وأجيب: بأن هذا خلاف إطلاق الجور على عدم التسوية، وخلاف المفهوم من قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=887978 "لا أشهد إلا على حق"، وقد قال في آخر الرواية التي وقع فيها التشبيه:
nindex.php?page=hadith&LINKID=98488 "قال: فلا إذا".
الوجه العاشر: أن معنى
nindex.php?page=hadith&LINKID=887958 "لا أشهد على جور" أي: لا أشهد على ميل الأب لبعض الأولاد دون بعض.
[ ص: 470 ] وأجيب: بأن هذا فيه بعد، ويرده قوله في الرواية الثانية:
nindex.php?page=hadith&LINKID=887978 "لا أشهد إلا على حق".
الوجه الحادي عشر: أنه جاء في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=675001أن بشير بن سعد رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن بنت فلان سألتني أن أنحل ابني غلاما، وقالت: أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أله إخوة؟ قال: نعم، قال: أوكلهم أعطيته؟ قال: لا، قال: فإن هذا لا يصلح، فإني لا أشهد إلا على حق" (2) .
ففي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه أن
بشيرا ذكر ذلك لرسول الله قبل أن يهب، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالأولى، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر أولى; لأنه كان كبيرا وكان
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان صغيرا، والكبير أحفظ وأضبط.
وأجيب بما يلي:
أولا: أنه لا يسلم أن الحديث يدل على ما ذكروه، بل يدل على أنه لم يأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أعطى ابنه; يدل لذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=660069أفكلهم أعطيته؟ " مما يدل على أن الأمر قد وقع، ولو كان لم يعطه لقال: " أفكلهم ستعطيه" ; لأن الأمر ما زال أنفا.
ثانيا: وأما كون
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان كان صغيرا
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر أسن منه، فيرده أن
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان هو صاحب القصة، وصاحب القصة أعلم بما روى.
الوجه الثاني عشر: عمل الصحابة: ومنهم
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر، nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر، nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر رضي الله عنهما بعد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم التسوية قرينة ظاهرة تدل على أن الأمر للندب.
[ ص: 471 ] ونوقش: بعدم التسليم بأن ترك العدل من عملهم، وقد بينا حين المناقشة لكل أثر عدم صحة ذلك.
ما ورد عن الصحابة:
(206 ) 2 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق من طريق
أيوب، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين أن
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة رضي الله عنه قسم ماله بين بنيه في حياته، فولد له ولد بعد ما مات، فلقي
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر فقال: "ما نمت الليلة من أجل ابن سعد هذا المولود لم يترك له شيئا؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر: وأنا والله ما نمت الليلة. أو كما قال - من أجله، فانطلق بنا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد نكلمه في أخيه، فأتياه فكلماه، فقال قيس: أما شيء أمضاه
سعد فلا أرده أبدا، ولكن أشهدكما أن نصيبي له".
منقطع;
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين لم يدرك
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة، وأبا بكر، nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله عنهم أجمعين.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم: "قد زاد
قيس على حقه، وإقرار
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر لتلك القسمة دليل على صحة اعتدالها".
ونوقش من وجوه:
الوجه الأول: منقطع
nindex.php?page=showalam&ids=16972فابن سيرين لم يدرك
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ولا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، ولم يثبت سماعه من
قيس، وإن كان قد أدرك زمانه.
الوجه الثاني: أنه لو صح فأين منه وجوب اشتراك المولود بعد الهبة، وغاية ما فيه أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر كلما قيسا في أخيه، وليس ذلك إلا مجرد شفاعة له.
الوجه الثالث: قوله: "ولكن أشهدكما أن نصيبي له" فهبة مستأنفة من
[ ص: 472 ] قيس تبرعا لا دليل على وجوبه عليه، وليس هذا من الاشتراك في ما تركه أبوه كما لا يخفى.
3 - ما ورد أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق قال
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة أم المؤمنين: "يا بنية، إني نحلتك نخلا من خيبر، وإني أخاف أن أكون آثرتك على ولدي، وإنك لم تكوني احتزتيه فرديه على ولدي؟ فقالت: يا أبتاه لو كانت لي خيبر بجدادها ذهبا لرددتها".
ونوقش: بأن هذا احتجاج ساقط; لأن في الأثر قوله: "وإنك لم تكوني احتزتيه" وهو يدل أنها لو حازته لكان فعلها نافذا، وإنما أبطله
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر بنص قوله - إنها لم تحزه - .
(207 ) 4 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم من طريق
محمد بن أحمد بن الجهم، أنا
nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي، أنا
مؤمل بن هشام، نا
nindex.php?page=showalam&ids=13382إسماعيل بن إبراهيم - ابن علية - ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم، عن أبيه
حكيم، عن أبيه
معاوية بن حيدة: "أن أباه
حيدة كان له بنون لعلات أصاغر ولده، وكان له مال كثير، فجعله لبني علة واحدة، فخرج ابنه
معاوية حتى قدم على
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه فأخبره بذلك: "فخير
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان الشيخ بين أن يرد إليه ماله، وبين أن يوزعه بينهم؟ فارتد ماله، فلما مات تركه الأكابر لإخوتهم".
[ ص: 473 ] ونوقش: بأنه إنما يتم الاحتجاج بأثر
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان، لو ثبت أن الذين جعل لهم
حيدة ماله من بنيه كانوا صغارا غير محتملين، أو كبارا قد سلم إليهم ما وهبه لهم، ولا يدل على ذلك قوله "فارتد ماله" لكونه محتملا لرد الهبة دون العين، ومن ادعى غير ذلك فعليه البيان، ويحتمل أن هذه الهبة كانت منه في مرض قد خاف منه
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان على نفسه; لأنه كان من المعمرين، فأمره برد الهبة لكونها كالوصية للوارث، فلما برأ من مرضه ذلك تمت هبته الأولى، ولذلك تركه الأكابر لإخوتهم بعد موته، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
5 - ولأن تفضيل بعضهم يورث العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها ) .
ونوقش من أمرين:
الأمر الأول: بأن هذا إذا قصد الإضرار لهم، وإلا فلا، وأيضا فأوجبوا التسوية بين سائر الأقارب من الإخوة والأخوات، وأولاد البنين والبنات، ولم يقل أحد بذلك، مع أن التفضيل يوقع الوحشة والعداوة كما في الأولاد.
الأمر الثاني: لو كانت العلة هذه فقولوا بجواز التفضيل بينهم سرا حتى لا يطلع عليه غير الموهوب له، وأما
تزويج المرأة على عمتها أو خالتها; فإن المنافسة بين الضرائر لا بد منها عادة، وأمر النكاح مبني على الإشهار والإعلام.
[ ص: 474 ] وأجيب:
أما الأمر الأول: فلا يسلم بحصول الوحشة بين سائر الأقارب، ولو حصل فليس في منزلة الوحشة بين الأولاد.
أما الأمر الثاني: فليس كل العلة حصول القطيعة بين الأولاد، بل من العلة ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم من تحقيق العدل بين الأولاد الذي تكون ثمرته برهم جميعا لوالدهم.