وحضور الموت: ظهور الدلائل، ووجود الأسباب، والمرض المخوف المتصل بالموت من الدلائل .
[ ص: 269 ]
وأجيب: أنه إذا كان المرض المخوف من دلائل حضور الموت، فلم لا تجعل تبرعاته ومحاباته من الوصية لا ملحقة بها؟!
ورد: بأنه يختلف عن الوصية في أمور، منها:
1- أنه إذا برأ من مرضه فإنها تلزمه، وفي الوصية لا تلزمه.
2- وأن الوصية لا حكم لقبولها أو ردها إلا بعد الموت، بخلاف العطية فقبولها أو ردها على الفور.
ونوقش: إذا: فالعطية في مرض الموت تخالف الوصية، فكيف تشبهها؟
أجيب عنه: أنها ملحقة بها في كون حال المريض مرضا مخوفا متصلا بالموت الظاهر منه الموت.
ونوقش أيضا: فما تقولون في الشيخ الكبير الذي تجاوز التسعين أو المئة؟ أليس حاله قريبة من الموت لكبره؟ ومع هذا فحكمه حكم الصحيح عندكم.
وأجيب: أن الأصل صحة التبرع; لعموم أدلة الأمر بالهبة; إذ هي شاملة للصغير والكبير، فيقتصر على مورد النص.
7- قياس ما يتقرب به من الهبات والعطايا على ما ينفقه من ماله على ملاذه ومنافعه، فتكون من رأس المال.
نوقش هذا الاستدلال: بأن ما اختص به المريض من مصالحه فهو أحق به من الورثة، وما عاد إلى غيره من العطية والهبة فورثته أحق به، فلذلك
[ ص: 270 ] أمضيت نفقاته من رأس المال لتعلقها بمصالحه في حال حياته، وجعلت هباته وعطاياه من ثلثه; لتعلقها بمصلحة غيره.
وأجيب: أنه لا يسلم أن صدقته وعطيته لمصلحة غيره، بل هي لمصلحة نفسه، بل أعظم من مصلحة إنفاقه على ملاذه ومنافعه، فهو أحوج ما يكون إليها.
ونوقش: بالفرق; فما ينفقه على نفسه مصلحته مباشرة بالنسبة له، فكانت أقوى، بخلاف ما ينفقه على غيره.
8- قياس صحة تبرعاته وهباته على صحة بيعه وشرائه ونكاحه في مرضه المخوف.
ونوقش هذا الاستدلال: أن بيعه وشراءه ونكاحه بعوض، أما تبرعاته وصدقاته فبدون عوض.
أجيب عنه: لا يسلم أن عطيته في مرض الموت بلا عوض، بل بعوض في الدنيا، وهو الدعاء له ومحبته، وعلو منزلته وقدره، وفي الآخرة بالأجر والمثوبة.
ونوقش: بالفرق بين العوضين; إذ العوض المادي في البيع والشراء والاستمتاع في النكاح مقصود قصدا أصليا في عرف الناس، ولذلك يتشاحون فيه، ولا يتنازلون عنه، بخلاف ما ذكر من المحبة والتقدير، ونحو ذلك.
الترجيح:
بعد ذكر أدلة كل قول وما ورد عليه من الاعتراضات والمناقشات يظهر أن القول الأول هو الراجح، وأنه
يحجر على المريض في ثلث ماله إذا كان مرضه مخوفا; لأن المريض مرض الموت في حكم الميت؛ إذ هو في إدبار من
[ ص: 271 ] الدنيا وإقبال من الآخرة، والشخص بعد موته له التبرع بالثلث صدقة من الله عز وجل، ولما في ذلك من المحافظة على حقوق الورثة.