الأمر الرابع: الإقرار لأجنبي:
إذا أقر المريض مرض الموت لغير وارث، فقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- على أقوال:
القول الأول: أن إقرار المريض لأجنبي لا يقبل إلا إذا دلت القرائن على صدقه.
وبه قال
المالكية.
وحجتهم: أن إبطال الإقرار مطلقا تضييق على المريض، وقبوله مطلقا فيه حرج على الورثة، وعليه فيقبل عند عدم التهمة، ويرد عند وجودها.
القول الثاني: صحة هذا الإقرار، سواء أجاز الورثة أو لم يجيزوا؟ وبه قال
الحنفية، والشافعية، والحنابلة. [ ص: 305 ]
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن
إقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز".
وحجتهم:
1- ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته".
2- أن
قضاء الدين من الحوائج الأصلية; لأن فيه رفع الحائل بين المدين وبين الجنة، وإذا ثبت أنه من الحوائج الأصلية كان إقراره بالدين نافذا ومقدما على حقوق الورثة; لأن حقوقهم تتعلق بالتركة بشرط الفراغ من حاجات المريض.
ونوقش: بأن هذا صحيح فيما ثبت أنه دين وهنا لم يثبت; لأنه متهم في إقراره.
3- أن الإنسان يحتاج إلى المعاملة، فلو أبطلنا إقراره في المرض لامتنع الناس من معاملته في الصحة.
ونوقش: بأن هذا غير مسلم، ولا يظن أن أحدا امتنع من معاملة آخر خشية أن يمرض، وكما يعرض للناس المرض يعرض لهم الموت.
القول الثالث: أنه لا يقبل.
وهو رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد.
وحجته:
1- إلحاقه بالإقرار لوارث.
[ ص: 306 ]
ونوقش: بأن هذا قياس غير صحيح; لأن الأصل المقيس عليه موضع خلاف كما تقدم، ولوجود الفارق، فإن الوصية بالثلث تجوز لأجنبي ولا تجوز لوارث.
2- أن حقوق الورثة والغرماء قد تعلقت بمال المريض من حين مرضه، فلا يقبل إقراره كالمفلس لما تعلقت حقوق الغرماء بماله لإفلاسه لم يقبل إقراره في ماله.
ونوقش: بأن عدم قبول إقرار المفلس غير مسلم، بل إقراره صحيح، ويثبت المبلغ المقر به في ذمته بعد فك الحجر عنه.
القول الثالث: أن إقرار الأجنبي يصح إذا كان يخرج من الثلث، فإن زاد على الثلث لم يصح الإقرار بالزائد.
وهو رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد.
وحجته: أن المريض ممنوع من الزيادة على الثلث في العطية، فلا يصح إقرار بما لا يملك أن يعطيه.
ونوقش: بأن الإقرار ليس كالعطية، فالإقرار إخبار، والعطية ابتداء تمليك في المال على وجه تبرع في حدود للأجنبي افترقا.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه
المالكية; لما فيه من التوفيق بين مصالح الورثة، والغرماء، ومصالح المريض.