[ ص: 284 ] المطلب الثاني: العقل
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
وصية المجنون حال اختلاله :
[ ص: 285 ] اتفق الفقهاء - رحمهم الله - على عدم صحة وصية المجنون، ولا عبرة بإجازة الولي لو أجاز ما أصدره المجنون من وصية.
جاء في الفتاوى الهندية: "ولا تصح الوصية، إلا ممن يصح تبرعه، فلا تصح من المجنون".
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : "بلغني عن
ربيعة أنه قال في المجنون يوصي عند موته: لا يجوز عليه شيء من ذلك إلا في صحته".
وفي أسهل المدارك: "ومن صح تصرفه في المال صحت وصيته، فلا تصح لمجنون".
وقال
النووي : "وأما المجنون فلا تصح وصيته; لأنه غير مميز، فوصيته باطلة".
[ ص: 286 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة : "ومن صح تصرفه في المال صحت وصيته; لأنها نوع تصرف، ومن لا تمييز له كالطفل والمجنون والمبرسم، ومن عاين الموت لا تصح وصيته".
وخالف في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية رحمه الله، فقال: تصح وصيته إذا وافق الحق.
فلا تصح وصيته للأدلة الآتية:
1 - قوله تعالى:
ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ، والمجنون أولى بهذا من السفيه.
2 - حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=678544 "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل" .
3 - ما سبق من الأدلة على عدم صحة وصية الصبي، والمجنون من باب أولى.
4 - أن انتقال الملك متوقف على الرضا، ومعرفة رضا المجنون متعذر; لعدم التمييز وانتفاء تعقل المعاني.
فلا تصح حينئذ وصيته التي يصدرها.
5 - أن الإنسان يعرف بالعقل ما ينفعه من العقود فيقدم عليه، والمجنون
[ ص: 287 ] فاقد للعقل فلا يصح ما يصدره من وصية، لرجحان جانب الضرر; نظرا إلى سفهه وقلة مبالاته وعدم قصده المصالح.
وقد يستجر - من يعامله - ماله باحتياله.
6 - أن الأهلية شرط لجواز التصرف وانعقاده، ولا أهلية بدون عقل وتمييز، والمجنون فاقد لهما.
7 - أنه لا يصح إسلامه، ولا توبته، ولا عباداته، فلا تصح وصيته.
8 - أن قوله ملغى لا يعتد به في عقد، ولا يترتب عليه عقوبة، فلا تصح وصيته.
9 - قياس وصيته على هبته بجامع أن كلا منهما يفتقر إلى إيجاب وقبول.
10 - ويستدل لعدم الاعتداد بإجازة الولي لما يصدره المجنون من وصية:
بأن صدور الصيغة من المجنون تصرف باطل لا يعتد به، وإجازة الولي إنما تلحق التصرفات الموقوفة فتجعلها نافذة، ولا تلحق التصرفات الباطلة، فالباطل في حكم المعدوم.
لما روى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=912776 "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" .
والمجنون لا نية له.
[ ص: 288 ]