المسألة الخامسة:
وصية المعتوه :
وفيها أمران:
الأمر الأول: تعريف المعتوه.
[ ص: 292 ] العته في اللغة: يطلق على نقص العقل، ويطلق أيضا على فقده.
وفي اصطلاح الفقهاء:
انقسم الفقهاء رحمهم الله في تعريف المعتوه إلى طائفتين:
فطائفة جعلت العته نوعا من الجنون، والطائفة الأخرى فرقت بينه وبين الجنون.
فقد جاء في "تبيين الحقائق" للحنفية أن المعتوه هو: "من كان قليل الفهم، مختلط الكلام، فاسد التدبير، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم، كما يفعل المجنون".
وجاء في "الإكليل"
للمالكية : "أن المعتوه هو: ضعيف العقل".
وقد ذكر صاحب "كشاف اصطلاحات الفنون": ما يؤيد هذا التفريق؛ حيث قال: "والفرق بين السفه والعته ظاهر، فإن المعتوه يشابه المجنون في بعض أفعاله وأقواله، بخلاف السفيه فإنه لا يشابه المجنون، لكن تعتريه خفة فيتابع مقتضاها في الأمور من غير روية وفكر في عواقبها".
وجاء في "تحرير التنبيه"
للشافعية : "المعتوه نوع من المجانين".
وجاء في "المغني"
للحنابلة : "المعتوه هو: الزائل العقل بجنون مطبق".
[ ص: 293 ] وفي الدر النقي: "المعتوه هو المجنون".
الأمر الثاني: وصية المعتوه:
اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في حكم وصية المعتوه على قولين:
القول الأول: أن المعتوه كالمجنون في الأحكام؛ لذا فما يصدره المعتوه من وصية لا يعتد بها، ولا يجوز للولي أن يأذن له بإصدارها.
وهذا مذهب
المالكية ،
والشافعية ،
والحنابلة .
القول الثاني: أن المعتوه كالصبي العاقل في تصرفاته; لذا فما يصدره المعتوه من وصية تأخذ حكم وصية الصبي المميز، وقد تقدم حكمها، وأنها تصح في أمور تجهيزه ودفنه.
وبهذا قال
الحنفية .
جاء في حاشية رد المحتار: "مطلب في أحكام المعتوه... وفي عامة كتب الأصول أن حكمه كالصبي العاقل في كل الأحكام.
واستثنى
الدبوسي العبادات فتجب عليه احتياطا".
الأدلة:
الذين يرون بطلان وصية المعتوه يلحقونه بالمجنون، ويطبقون عليه أحكامه، وتقدمت الأدلة قريبا على عدم صحة وصية المجنون.
[ ص: 294 ] أما الذين يرون إلحاق المعتوه بالصبي المميز في التصرفات القولية وهم
الحنفية ، فإنهم لما رأوا المعتوه - حسب اصطلاحهم - عنده نوع تمييز ألحقوه بالصبي المميز، وقاسوه عليه.
والذي يظهر لي في المسألة: أن المعتوه ينقسم إلى قسمين:
الأول: معتوه ليس معه إدراك، فهذا في حكم المجنون، فلا تصح وصيته.
الثاني: معتوه معه إدراك، فيأخذ حكم الصبي المميز، وقد تقدم حكم وصيته.