المطلب الثاني:
حكم الوصية لمن لا يحصى
إذا اقترن بلفظ الوصية لغير المحصورين ما يشعر بالحاجة، كالوصية للفقراء والمساكين ونحو ذلك، صحت الوصية بالاتفاق.
لأن الوصية إذا أشعرت بالحاجة أصبحت بمنزلة الصدقة.
واختلف العلماء رحمهم الله في حكم الوصية لمن لا يحصى إذا لم يكن هناك ما يشعر بالحاجة على أقوال:
القول الأول: أنها صحيحة.
وهو قول
المالكية ، وأصح القولين عند
الشافعية ، وقول
الحنابلة .
القول الثاني: أنها لا تصح، ويستثنى من ذلك ما إذا كان بلفظ الموصى لهم ما يشعر بالحاجة كالوصية لفقراء المسلمين.
وهو قول
الحنفية ، وقول عند
الشافعية .
[ ص: 437 ] الأدلة:
أدلة الجمهور: استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بما يلي:
1 - عموم أدلة الوصية السابقة.
2 - القياس على الوصية للفقراء والمساكين، فإنها جائزة بالاتفاق.
3 - القياس على صحة الوقف على غير المحصورين.
دليل
الحنفية :
1 - أن الوصية لغير المحصور وصية لمجهول، وتمليك المجهول غير صحيح.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن الوصية لمجهول صحيحة كما سيأتي تحريره.
الوجه الثاني: أن إلحاق الوصية لغير محصور بالوصية للفقراء والمساكين أولى.
2 - أن الوصية لمن لا يحصى يدخل فيها الأغنياء والفقراء، وتكون حقا من حقوق الآدميين، وحقوق الآدميين إذا دخلتها الجهالة لا تصح.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن الوصية يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها، فتصح بالمجهول كما سيأتي.
الوجه الثاني: أن الجهالة مآلها إلى العلم.
[ ص: 438 ] 3 - أن هذه الوصية لا يمكن تنفيذها للجميع; لأنهم لا يحصون، ولا يمكن تنفيذها للبعض; لأنه ليس بأولى من البعض الآخر، فبطلت.
ونوقش: أنه يسلم أنه لا يلزم تعميم الموصى لهم; لعدم إمكانية ذلك لكن يمكن صرف الموصى به لبعض الموصى لهم بالاجتهاد حسب المصلحة.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم -: ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من صحة الوصية لمن لا يحصى; لقوة دليله.
[ ص: 439 ]