المسألة الرابعة:
حكم الوصية عند تعذر وجود الجهة :
إذا تعذر وجود الجهة الموصى لها، فللعلماء قولان:
القول الأول: بطلان الوصية.
وهو قول
للمالكية .
القول الثاني: عدم بطلانها.
وبه قال بعض
المالكية .
وسئل
ابن زرب عن رجل أوصى ببناء مسجد في أرض، فسبقه آخر فبناه في حياته، وبقيت الوصية على حالها، فقال: لم يحضرني جواب، ونقل
ابن عرفة أنه إذا تعطل المصرف فتصرف في مثله.
[ ص: 470 ] الأدلة:
دليل القول الأول:
استدل لهذا الرأي بالآتي:
1 - أن فقدان الركن يترتب عليه بطلان العقد وفساده.
2 - القياس، فإن الإجماع منعقد على أن من أوصى لابن فلان فلم يولد له حتى مات أن الوصية باطلة، وتعود للورثة لعدم المستحق الموصى له؛ ولذلك يجب أن يكون الأمر هنا إذا لم توجد الجهة المعينة بطلت الوصية.
3 - أن
صرف الوصية لجهة غير التي سماها يعتبر مخالفة للوصية، وتبديلا لها، وذلك كله لا يجوز; لقوله تعالى:
فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ، وقوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502835 "المسلمون على شروطهم" .
ودليل القول الثاني:
مراعاة قصد الموصي، فإن الغالب على الموصي في مثل هذه الحالة الحرص على تنفيذ وصيته، وتعيين تلك الجهة ليس ضروريا عنده، وإنما هو اختيار منه للموصى له حتى لو علم أو تحقق من عدم وجود تلك الجهة التي أوصى لها، لأوصى لجهة أخرى؛ رغبة منه في الثواب والأجر بأي وجه كان، ومن القواعد في الوصايا: تقديم القصد على اللفظ عند تعارضهما.
وقد حبس
أبو الحسن المريني كتبا على مدرسة ابتناها
بالقيروان وأخرى
بتونس ، وجعل مستقرها بيتا بجامع الزيتونة بها، فلما يئس من إتمامها
[ ص: 471 ] قسمت الكتب على مدارس
تونس ; لأن الوصية والحبس من باب واحد كما يقال.
الترجيح
الراجح - والله أعلم -: صرف الوصية في مثلها ; لقوة دليله.