المطلب الثاني: الشرط الثاني: أن يكون الموقوف عليه ممن يصح تملكه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
الوقف على الحيوان:
وصورة ذلك: أن يقول: هذا البيت وقف على خيل الجهاد، أو خيل طلبة العلم، ونحو ذلك.
فقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في صحة الوقف على الحيوانات والطيور على ثلاثة أقوال:
القول الأول: صحة الوقف على الحيوان، والطير.
وبه قال
المالكية، قال
المرداوي: « واختار
الحارثي الصحة، وقال: هو الأظهر عندي كما في الوقف على القنطرة، والسقاية، وينفق عليها ».
القول الثاني: عدم صحة الوقف على الحيوان، والطير.
وهو ظاهر قول
الحنفية، والحنابلة.
القول الثالث: التفصيل، فيصح الوقف على الحيوانات الموقوفة،
[ ص: 432 ] ولا يصح على ما عداها من المملوكة والمباحة، واستثنى
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي حمام الحرم، فيصح الوقف عليها.
وبه قال
الشافعية.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
1 - عمومات أدلة الوقف السابقة، وهذه تشمل الوقف على الحيوان.
(128) 2 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من طريق
أبي صالح، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661170« بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له »، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: « في كل ذات كبد رطبة أجر » (129) 3 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من طريق
قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652152« ما من مسلم يغرس غرسة، أو يزرع زرعة، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ». [ ص: 433 ]
4 - القياس على الوصية، وإذا صحت الوصية للحيوان صح الوقف عليها.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن الأصل المقيس موضع خلاف بين العلماء، ومن شروط صحة القياس الاتفاق على الأصل المقيس عليه.
5 - أن الأصل في الوقف الحل والصحة.
دليل القول الثاني: (عدم صحة الوقف على الحيوان) :
استدل من قال بعدم صحة الوقف على الحيوان والطير: بأن الوقف تمليك للمنفعة، والحيوان والطير ليس أهلا للملك.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن ملك كل شيء بحسبه، فملك الإنسان يختلف عن ملك الحيوان.
الوجه الثاني: أنه لا يسلم أن الوقف تمليك، بل الوقف شامل لتمليك المنفعة، ولمطلق الانتفاع، وإن لم يحصل تمليك كما في الصلاة في المسجد.
دليل القول الثالث: (التفصيل) :
1 - يصح الوقف على الحيوانات الموقوفة؛ لما تقدم من أدلة الرأي الأول.
2 - ولما تقدم من إثبات الملك للحيوانات الموقوفة.
3 - أنه لا يصح الوقف على الحيوانات المباحة والمملوكة؛ لأنها ليست أهلا للملك بحال، كما لا تصح الهبة لها، ولا الوصية.
[ ص: 434 ]
وقد تقدمت مناقشة هذا الاستدلال.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - صحة الوقف على الحيوان والطير مطلقا؛ لقوة دليله، ولأن الوقف فعل قربة وإحسان، فلا يمنع منه إلا لدليل.