التفسير:
قل يا أيها الكافرون : الألف واللام ترجع إلى معنى المعهود وإن كانت للجنس; من حيث كانت صفة لـ (أي) ; لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله أنه يموت على كفره، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم، وقد تقدم القول في نحو ذلك.
وتكرير ما كرر فيها ليس بتكرير في المعنى، ولا في اللفظ، سوى موضع واحد منها، فإنه تكرير في اللفظ دون المعنى.
والمعنى: لا أعبد ما تعبدون في الحال، ولا أنتم عابدون ما أعبد في الحال، ولا أنا عابد ما عبدتم في الاستقبال، ولا أنتم عابدون ما أعبد في الاستقبال، فقد اختلف اللفظ والمعنى في قوله:
لا أعبد ، وقال بعده:
ولا أنا عابد ،
[ ص: 180 ] وتكرر
ولا أنتم عابدون ما أعبد في اللفظ دون المعنى.
وقيل: إن معنى الأول: ولا أنتم عابدون ما عبدت، ومعنى الثاني: ولا أنتم عابدون ما أعبد، فعدل عن لفظ (عبدت) ; للإشعار بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل، مع أن الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر، وأكثر ما يأتي ذلك في إخبار الله عز وجل.
وقال:
ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولم يقل: (من أعبد) ; ليقابل به
ولا أنا عابد ما عبدتم الذي يراد به: الأصنام، ويجوز أن تكون {ما} والفعل مصدرا.
[وقد قيل: إن معنى الآيات وتقديرها: قل: يا أيها الكافرون; لا أعبد الأصنام التي تعبدون، ولا أنتم عابدون الله عز وجل الذي أعبده; لإشراككم به، واتخاذكم معه الأصنام، فإن زعمتم أنكم تعبدونه; فأنتم كاذبون; لأنكم تعبدونه مشركين به، فأنا لا أعبد ما عبدتم; أي: مثل عبادتكم، فهو في الثاني مصدر، وكذلك
ولا أنتم عابدون ما أعبد} ، هو في الثاني مصدر أيضا; معناه: ولا أنتم عابدون مثل عبادتي التي هي توحيد].
[ ص: 181 ] قال ابن عباس: سبب نزول هذه السورة: أن المشركين قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: اعبد معنا آلهتنا، ونعبد معك إلهك.
وقوله:
لكم دينكم ولي دين : فيه معنى التهدد.
[وقيل: المعنى: لكم جزاء دينكم، ولي جزاء ديني، وسمي دينهم دينا; لأنهم اعتقدوه، وتولوه].
وقيل: المعنى: لكم جزاؤكم، ولي جزائي; لأن الدين الجزاء.