التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
(ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) : هذا قول اليهود، قالوا: ليس علينا في ظلم العرب سبيل; لمخالفتهم إيانا، وادعوا أن ذلك في كتابهم، فأكذبهم الله تعالى.

وتقدم القول في معنى (الأمي) .

و (الهاء) في (بعهده) من قوله: (بلى من أوفى بعهده) تعود على اسم الله عز وجل.

وقيل: على (من) من قوله: (من أوفى) .

[ ص: 76 ] الزجاج : (بلى) ههنا وقف التمام، لأنهم قالوا: ليس علينا في الأميين سبيل، فقال الله: (بلى) ; أي: بلى عليكم فيهم سبيل، وإذا جاءت (بلى) على هذا الوجه من النفي; كانت مكتفية، وإذا جعلت بمعنى الإضراب عن الأول، والاعتماد على ثبات الثاني; لم تكن مكتفية.

(إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) الآية.

روي: أنها نزلت في أبي رافع، وكنانة بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب; كتبوا كتابا بما ادعوه من أنهم ليس عليهم في الأميين سبيل، وحلفوا أنه من عند الله، عن عكرمة والحسن .

ابن جريج : نزلت في الأشعث بن قيس، أوجب عليه النبي عليه الصلاة والسلام يمينا في أرض ادعيت عليه، فقام يحلف، فنزلت الآية، فنكل وسلم الأرض إلى خصمه، وزاده عليها من أرضه.

مجاهد : هو الرجل يقول: أعطيت بسلعتي كذا وكذا، ويحلف كاذبا.

[ ص: 77 ] (وإن منهم لفريقا) يعني: من أهل الكتاب.

ومعنى (يلوون ألسنتهم بالكتاب) : يحرفونه ويبدلونه، عن مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما، وأصل (اللي) : الفتل.

(ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة) : (البشر) : يقع للواحد والجميع; لأنه بمنزلة المصدر.

(ولكن كونوا ربانيين) : [أي: ولكن يقول لهم: كونوا ربانيين].

قال الحسن : أي: علماء فقهاء، ابن جبير : حكماء أتقياء.

ابن زيد : كونوا مدبري أمر الناس.

مجاهد : الربانيون: فوق الأحبار.

الزجاج : كونوا معلمي الناس، والرباني: منسوب إلى علم الرب، والألف والنون فيه للمبالغة، كما يقال للعظيم اللحية: (لحياني) .

وقيل: أصله: (ربان) ، من قولهم: ربه يربه فهو ربان; إذا دبره وأصلحه، فمعناه على هذا: يدبرون أمور الناس ويصلحونها) ، ويكون على هذا من باب: (أحمر وأحمري) ، و (أعجم وأعجمي) ، و (أشقر وأشقري) .

[ ص: 78 ] (بما كنتم تعلمون الكتاب) أي: بعلمكم الكتاب، أو بتعليمكم الكتاب، فيمن شدد.

وقيل: الباء بمعنى: (في) ; أي: كونوا ربانيين في علمكم ودراستكم.

(ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) يروى: أن سبب نزول هذه الآية: أن اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أتريد يا محمد أن نعبدك كما عبدت النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال: " معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادته".

(وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) الآية.

قال ابن عباس : أخذ ميثاقهم على قومهم.

السدي : أخذ ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصروه إن أدركوه، وأمروا أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم.

السدي : أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر.

وقوله (لما آتيتكم من كتاب وحكمة) : (اللام) - فيمن فتح -: لام [ ص: 79 ] الابتداء ، ولام (لتؤمنن به) : لام القسم.

وقيل: (اللام) في (لما) خلف من القسم، تجاب بجوابه; نحو: (لمن أتاني لأكرمنه) .

و (ما) في (لما) : [يجوز أن تكون بمعنى: (الذي) ]، ويجوز أن تكون شرطا على معنى: لئن آتيتكم أو مهما آتيتكم.

و (من) في قوله: (من كتاب وحكمة) لبيان الجنس.

وخبر الابتداء إذا كانت (ما) بمعنى (الذي) عند الخليل وسيبويه قوله: (من كتاب وحكمة) ، وعند غيرهما: (لتؤمنن به) ، وذلك مبسوط في وجوه القراءات فيما بعد.

[ ص: 80 ] (فمن تولى بعد ذلك) أي: بعد أخذ الميثاق.

التالي السابق


الخدمات العلمية