التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

قوله: (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) : معنى (أسلم) : استسلم وانقاد، وكل شيء مخلوق فهو مستسلم منقاد، لأنه مجبول على ما لا يقدر أن يخرج عنه.

قتادة : أسلم المؤمن طوعا، والكافر عند موته كرها.

الحسن : هو عموم معناه الخصوص، وعنه أيضا: (أسلم من في السماوات) ، تم الكلام، ثم قال: (والأرض طوعا وكرها) ، قال: و (الكاره) : المنافق لا ينفعه عمله.

مجاهد : معناه: الإقرار بالعبودية وإن كان فيهم المشرك في عبادته.

ابن عباس : أسلم عند أخذ الميثاق عليه.

وقيل: الذي أسلم طوعا: هو من قبل ما جاءت به الأنبياء عليهم السلام، والذي أسلم كرها: من أقر بالتوحيد وأشرك.

[ ص: 92 ] وعن مجاهد أيضا: إسلام الكافر كرها: سجوده لغير الله، وسجود ظله لله.

(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) :

قال مجاهد ، والسدي : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار، يقال له: الحارث بن سويد الأنصاري، كان قد ارتد عن الإسلام، ثم كتب إلى أخيه يطلب التوبة، وروي ذلك عن ابن عباس ، وغيره.

قال ابن عباس : وأسلم بعد نزول الآيات .

وقيل: نزلت في قوم أرادوا أن يحكم لهم النبي صلى الله عليه وسلم بحكم الإسلام، وفي قلوبهم الكفر، فأطلع الله نبيه على ضمائرهم.

وقيل: نزلت في اليهود وكتمانهم ما وجدوه في كتبهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن .

(إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا) يعني به: اليهود، كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفرا بمحمد عليه السلام.

وقيل: هم اليهود والنصارى، كفروا بكتابهم حين بدلوه، ثم ازدادوا كفرا [بالقرآن.

[ ص: 93 ] وقيل: كفرهم الأول: هو كفرهم بمحمد عليه الصلاة والسلام، ثم ازدادوا كفرا] بالذنوب التي اكتسبوها، وهذا اختيار الطبري ، وهي عنده في اليهود.

وقيل: ازدادوا كفرا إذ لم يتوبوا من كفرهم.

وقيل: نزلت في قوم ارتدوا، ثم أظهروا التوبة غير محققين.

وقيل: المعنى: لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر.

وقيل: لن تقبل إذا تابوا من كفر إلى كفر آخر.

وقوله: (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به) : (الملء) بالكسر: هو مقدار ما يملأ الشيء، و (الملء) بالفتح: المصدر.

و (الواو) في (ولو افتدى به) : قيل: هي زائدة.

وقيل: دخلت لتفصيل نفي القبول بعد الإجمال; لأنه قد عم وجوه القبول بالنفي، ثم جاء بالتفصيل.

وقيل: المعنى: لن يقبل من أحدهم من الأرض ذهبا تبرعا، ولو افتدى به.

[ ص: 94 ] (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) : (البر) ههنا: الجنة، عن ابن مسعود ، والتقدير: لن تنالوا ثواب البر.

وقيل: البر: العمل الصالح.

[وقيل: المراد به: الأغنياء].

وقيل: الأغنياء والفقراء، والمعنى: (حتى تنفقوا مما تحبون في سبيل الخير; من صدقة أو غيرها من الطاعات) .

الحسن : هو الزكاة المفروضة.

(كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنـزل التوراة) : قال ابن عباس : كان يعقوب النبي عليه السلام قد اشتكى عرق النسا، فآلى إن شفي ألا يأكل عرقا.

مجاهد : حرم الأنعام، عطاء : لحوم الإبل وألبانها.

الضحاك : قالت اليهود: إن هذه الأشياء حرمت علينا في التوراة، فأعلم الله أن ذلك مما حرمه إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة.

وقيل: حرمت في التوراة بعد أن حرمها إسرائيل على نفسه.

[ ص: 95 ] (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين) :

قال ابن عمر : خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، وكان على زبدة بيضاء، فدحيت الأرض من تحته .

مجاهد ، وقتادة : لم يوضع قبله بيت، وعن قتادة أيضا: هبط به آدم من الجنة، ثم رفع في الطوفان، ثم تتبع إبراهيم بنيانه.

علي رضي الله عنه: كان قبل البيت بيوت كثيرة، والمعنى: أنه أول بيت وضع للعبادة.

وفي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام، ثم بيت المقدس، وكان بينهما أربعون سنة".

واختلف في (بكة) ; فقال مالك بن أنس : هي موضع البيت، و (مكة) : ما وراء ذلك.

ابن شهاب: (بكة) : المسجد، و (مكة) : الحرم كله يدخل فيه البيوت.

مجاهد : (بكة) : هي مكة، فالميم على هذا مبدلة من الباء، كما قالوا: (طين لازم ولازب) .

وقيل: إن اشتقاق (بكة) من البك; وهو الزحم، فالناس يزدحمون فيها في الطواف، تباك الناس; إذا ازدحموا، وروي معناه عن سعيد بن جبير.

[ ص: 96 ] وقيل: سميت بذلك; لأنها تبك أعناق الجبابرة.

فأما (مكة) ; فقيل: سميت بذلك; لأنها تمك المخ من العظم بما ينال قاصدها من المشقة، من قولهم: (مككت العظم) ; إذا أخرجت ما فيه.

وقيل: سميت بذلك; لأن الناس كانوا يمكون ويضحكون فيها، من قوله: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) [الأنفال: 35]; أي: تصفيقا وتصفيرا، وهذا لا يوجبه التصريف; لأن (مكة) ثنائي مضاعف، ومكاء: ثلاثي معتل.

وقوله: (فيه آيات بينات مقام إبراهيم ) قيل: المعنى: منها مقام إبراهيم ، فحذف الخبر، وآيات البيت كثيرة، وقد ذكرت قطعة منها في "الكبير".

ومن قرأ: (آية بينة) ; فالتقدير عندهم: هي مقام إبراهيم .

وقوله: (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) : قال ابن عباس وغيره: من كفر بفرض الحج، ولم يره واجبا.

وقد قال الحسن البصري وغيره: إن من ترك الحج وهو قادر عليه; فهو كافر [ ص: 97 ] وروى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات ولم يحج وهو قادر; فليمت يهوديا أو نصرانيا"، وروي نحوه عن عمر ، وعلي رضي الله عنه.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا سأله عن الآية فقال: "من حج لا يرجو ثوابا، أو جلس لا يخاف عقابا; فقد كفر به" .

(قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا) أي: تطلبون لها عوجا، ومعنى (العوج) : العدول عن طريق الحق، وهو بالكسر: يستعمل في الميل عن طريق الاستواء في الطريق، والدين، ونحوهما، وهو بالفتح: ميل كل منتصب; كالحائط، ونحوه.

(وأنتم شهداء) أي: تشهدون أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حق، وقيل: معناه: عقلاء.

(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) : روي: أنها نزلت في يهودي أراد تحريك الفتنة بين الأوس والخزرج، بعد انقطاعها بالنبي صلى الله عليه وسلم، روي معناه عن زيد بن أسلم ، وغيره.

[ ص: 98 ] ابن عباس : الذي فعل ذلك شأس بن قيس، دس على الأوس والخزرج من يذكرهم ما كان بينهم من الحروب.

التالي السابق


الخدمات العلمية