التفسير:
هذا قول قوم من اليهود، قالوه على جهة الإلزام حين سمعوا:
(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) .
[ ص: 168 ] ومعنى (سنكتب ما قالوا) : سنجازيهم عليه، وقيل: سنكتبه في صحائف أعمالهم.
وقوله:
(الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) يعني بذلك: ما كان على عهد
بني إسرائيل من أن من قرب قربانا، فتقبل منه; نزلت نار من السماء فأحرقته، فأعلمهم الله أنهم كفروا من قبل بمن جاءهم بذلك; يعني: آباءهم.
و (القربان) : (فعلان) مما يتقرب به، وأصله المصدر; كالرجحان، ونحوه، ثم سمي به نفس المتقرب به.
(فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك) : هذا تعزية للنبي عليه الصلاة والسلام.
و (الزبر) : الكتب، واحدها: (زبور) ، من (زبرت الكتاب) ; إذا كتبته، وأصل (الزبر) : الزجر، سمي الكتاب به; لأن الزجر فيه، وجمع بين (الزبر) و (الكتاب) وهما بمعنى; لاختلاف أصليهما ولفظيهما.
(والكتاب المنير) أي: الهادي إلى الحق.
(فمن زحزح عن النار) أي: نحي عنها; (فقد فاز) أي: ظفر بالنعيم الدائم، وأصل (الفوز) : النجاة.
(لتبلون في أموالكم وأنفسكم) يعني: بالمصائب.
[ ص: 169 ] (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) :
سمع أبو بكر رضي الله عنه يهوديا يقول حين سمع: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) : أوهو فقير يستقرض؟! فلطمه، فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية) .
قيل: إن قائلها فنحاص اليهودي، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ، وقيل:
كعب بن الأشرف، وقيل:
حيي بن أخطب .
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : نزلت في
كعب بن الأشرف، كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، ويحرض عليهم المشركين، حتى قتله
nindex.php?page=showalam&ids=80محمد بن مسلمة غيلة.
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (الأذى) : ما كانوا يسمعونه من اليهود من قولهم: عزير ابن الله، ومن النصارى من قولهم: المسيح ابن الله.
ومعنى (عزم الأمور) : رشدها وصلاحها.
(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وغيره: هي في اليهود، وقيل: هي في اليهود والنصارى.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة : هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب .
(لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا) الآية.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=44الخدري: هي في المنافقين، يحبون أن يقبل منهم الاعتذار للنبي صلى الله عليه وسلم بما ليسوا عليه من الإيمان، وأن يحمدوا على ذلك.
[ ص: 170 ] nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هم قوم سألهم النبي عن شيء، فكتموه، وحرفوه، وفرحوا بذلك، وأحبوا أن يحمدوا عليه.
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك : هم قوم فرحوا باجتماع كلمتهم على الكفر، وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه.
وقيل: هي في أهل
خيبر، أتوا النبي عليه الصلاة والسلام، وقالوا: نحن على رأيك، فأعلمه الله تعالى بكذبهم.
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير : هم أحبار اليهود، يفرحون بما أخذوه من الرشا، ويحبون أن يقال لهم: علماء، وليسوا بعلماء.
وعنه أيضا: هم اليهود، يفرحون بما أوتي
آل إبراهيم من النبوة، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا; لأنهم يقولون: نحن على دين إبراهيم ، وهم مخالفون له.
وهذان القولان عن
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير على قراءته; لأنه يقرأ: (بما أوتوا) .
(ولله ملك السماوات والأرض) : هذا احتجاج على الذين قالوا: (إن الله فقير ونحن أغنياء) .
(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) : قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : يعني بذلك الصلاة.
غيره: يعني: ذكر الله عز وجل على كل حال.
(ربنا ما خلقت هذا باطلا) : أي يقولون: ربنا.
(ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) أي: أذللته.
[ ص: 171 ] (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) أي: نداء مناد.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد: هو
محمد عليه الصلاة والسلام.
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب : هو القرآن، وليس كلهم سمع النبي عليه الصلاة والسلام.
و (اللام) في (للإيمان) بمعنى: (إلى) .
والأبرار) : جمع (بر) ، أو (بار) ، وأصله من الاتساع، فكأن البر متسع في طاعة الله عز وجل، ومتسعة له رحمة الله.
وقوله: (وآتنا ما وعدتنا على رسلك) أي: على ألسنة رسلك، وهو وعده من آمن بالجنة، فسألوه أن يكونوا ممن وعد بذلك.
وقيل: دعوا به على جهة العبادة والخضوع، وقيل: سألوه أن يعطوا ما وعدوا به من النصر على عدوهم معجلا.
(فاستجاب لهم ربهم) أي: أجابهم.
وقوله: (من ذكر أو أنثى) : دخلت (من) للتأكيد; لأن قبلها حرف النفي.
الكوفيون: هي للتفسير، ولا يجوز حذفها; لأنها دخلت لمعنى لا يصلح الكلام إلا به، وإنما تحذف إذا كانت تأكيدا للجحد.
(بعضكم من بعض) قيل: في الثواب، والأحكام، والنصرة، وشبه ذلك.
وقيل: إن سبب نزول ذلك: قول
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة: (ما بال الرجال يذكرون في
[ ص: 172 ] الهجرة دون النساء؟) ، روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، وعمرو بن دينار.
و (حسن الثواب) : حسن الجزاء; وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله، من (ثاب يثوب) .
(لكن الذين اتقوا ربهم) : استدراك بعد كلام تقدم فيه معنى النفي; لأن معنى ما تقدم: (ليس لهم في تقلبهم في البلاد كثير انتفاع) .
(وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) الآية.
روي:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي ، وترحم عليه; تكلم في ذلك المنافقون، فنزلت الآية"، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله، وغيره.
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج : هي فيمن أسلم من أهل الكتاب;
nindex.php?page=showalam&ids=106كابن سلام ونظرائه.
وقيل: نزلت في أربعين رجلا آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، منهم اثنان وثلاثون من
بني الحارث بن كعب من
الحبشة، وثمانية من
الروم.
(خاشعين لله) أي: متواضعين متذللين.
(يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، وغيرهما: المعنى: اصبروا على طاعة الله، وصابروا أعداء الله، ورابطوا في سبيل الله.
[ ص: 173 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أيضا: اصبروا على المصائب، وصابروا على الصلوات الخمس، ورابطوا أعداء الله في سبيله.
(واتقوا الله) أي: لم تؤمروا بالجهاد من غير تقوى.
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب : اصبروا على دينكم، وصابروا على وعد ربكم، ورابطوا أعداءكم.
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : اصبروا على الجهاد، وصابروا العدو، ورابطوا الخيل على العدو.
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة بن عبد الرحمن: رابطوا على الصلوات; أي: انتظروها.
وأصل (الرباط) : من رباط الخيل في الثغور، وقيل: هو من ربط النفس في الثغر بلزومه.
وجاء في الخبر:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتبه من نومه; قرأ: (إن في خلق السماوات والأرض) إلى: (إنك لا تخلف الميعاد) .