التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

أفلا يتدبرون القرآن أي : يتفكرون فيه، وفي هذا دليل على وجوب تعلم معاني القرآن، وفساد قول من قال: لا يجوز أن يؤخذ منه إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنع أن يتأول منه على ما يسوغه لسان العرب.

وفيه دليل على الأمر بالنظر، والاستدلال، وإبطال التقليد، وفيه دليل على إثبات القياس.

ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أي: لو كان ما يخبرون به من عند غير الله; لاختلف.

[ ص: 322 ] قتادة، وابن زيد : لو كان القرآن من عند غير الله; لتناقض.

ولا يدخل في هذا اختلاف ألفاظ القراءات ، وألفاظ الأمثال، والدلالات، ومقادير السور، والآيات، وإنما أراد اختلاف التناقض والتفاوت.

وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ، قيل: إن الضمير في (جاءهم) ، لضعفة المسلمين، قاله الحسن ; لأنهم كانوا يفشون أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويظنون أنهم لا شيء عليهم في ذلك.

الضحاك ، و ابن زيد : هو للمنافقين .

والضمير في (منهم) للمستنبطين، وقيل: للمذيعين، ومعنى لعلمه الذين يستنبطونه أي: يستخرجونه; أي: لعلموا ما ينبغي أن يفشى منه، وما ينبغي أن يكتم.

و (أولو الأمر) : أهل العلم والفقه، عن الحسن، وقتادة، وغيرهما. السدي، وابن زيد : الولاة، وقيل: أمراء السرايا.

و (الاستنباط) في اللغة: الاستخراج.

و (الهاء) في (أذاعوا به) و(يستنبطونه) : للأمر، [وقيل: للأمن]، وقيل:

للخوف، وقيل : لهما جميعا.

[ ص: 323 ] وقوله: إلا قليلا : قال ابن عباس ، وغيره: المعنى: أذاعوا به إلا قليلا منهم، وهو مذهب الكسائي ، والأخفش، وأبي عبيد، وأبي حاتم، والطبري.

وقيل: المعنى: لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا منهم، عن الحسن، وغيره، واختاره الزجاج.

وقيل: المعنى: لاتبعتم الشيطان، إلا قليلا، عن الضحاك، قال: و (القليل) : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وأنكره أكثر العلماء; إذ لولا فضل الله ورحمته; لاتبع الناس كلهم الشيطان.

وأنكر بعضهم الاستثناء من قوله: لعلمه الذين يستنبطونه منهم ; لأن المستنبط قد علمه، والذي لم يعلمه ليس بمستنبط له .

[ ص: 324 ] وقيل المعنى: لاتبعتم الشيطان إلا قليلا من الاتباع.

فقاتل في سبيل الله (الفاء) متعلقة بقوله: [ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ... (فقاتل) ، كأن المعنى: (لا حظ لك في ترك القتال; فتتركه) ، فوضع (فقاتل) في موضع (فتتركه) ، وقيل : هي متعلقة بقوله] : ومن يقاتل في سبيل الله الآية.

وأشد تنكيلا أي: عقوبة، عن الحسن، وغيره.

من يشفع شفاعة حسنة أي: في الدنيا.

يكن له نصيب منها : مجاهد ، وغيره: هي شفاعة الناس بعضهم لبعض.

وقيل : (الشفاعة الحسنة) : الدعاء للمؤمنين، و (السيئة) : الدعاء عليهم، وكانت اليهود تدعو عليهم.

الحسن : (الحسنة) : ما يجوز في الدين، و (السيئة) : ما لا يجوز فيه. وقيل: هو في قول اليهود للمسلمين في السلام : السام عليكم.

وقيل : المعنى: من يكن شفيعا لصاحبه في الجهاد; يكن له نصيبه من

الأجر، ومن يكن شفيعا لآخر في باطل; يكن له نصيبه من الوزر.

[ ص: 325 ] الحسن ، وقتادة : (الكفل) : الوزر، والإثم.

السدي، وابن زيد : هو النصيب، وأصله: من المركب الذي يهيأ; كالسرج للبعير، من كساء أو نحوه; لأن النصيب يهيأ لصاحبه كما يهيأ ذلك المركب.

و (المقيت) : الحفيظ، عن ابن عباس ، وغيره، وعنه أيضا: القدير. السدي، وابن زيد : المقتدر.

مجاهد : الشهيد، وعنه أيضا: الحسيب.

الزجاج : هو مشتق من القوت; وهو قدر ما يحفظ الإنسان، فـ (المقيت) : الذي يعطي الشيء قدر الحاجة.

الكسائي : أقات يقيت إقاتة.

وقوله: إن الله كان على كل شيء حسيبا أي: حفيظا، وقيل : كافيا، من قولهم: (أحسبني الشيء) ; أي: كفاني، وقيل : هو من الحساب.

ومن أصدق من الله حديثا أي: لا أحد أصدق منه.

فما لكم في المنافقين فئتين : روي: أنها نزلت في قوم قدموا المدينة، فأقاموا بها ما شاء الله ، ثم استوخموها; فسألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخرجوا إلى البادية; [ ص: 326 ] فاختلف الناس في نفاقهم وإيمانهم، قاله السدي، وغيره.

زيد بن ثابت: نزلت في قوم تخلفوا عن الخروج يوم أحد; فقال بعض الناس للنبي صلى الله عليه وسلم: اقتلهم، وقال بعضهم: اعف عنهم.

مجاهد ، والحسن: نزلت في قوم قدموا المدينة، فأسلموا، ثم رجعوا إلى مكة، فأظهروا الشرك; فسموا منافقين على هذا القول نسبة إلى ما كانوا عليه من إضمار الكفر قبل [و] إظهار الإسلام.

ابن زيد : نزلت في ابن أبي وأصحابه الذين تكلموا في عائشة رضي الله عنها.

التالي السابق


الخدمات العلمية