الإعراب:
قوله: {قيما} : منصوب على الحال من {الكتاب} ، وقوله:
ولم يجعل له عوجا : اعتراض بين الحال وبين ذي الحال الذي هو {الكتاب} ، وجاز ذلك; لأنه يسدد كونه {قيما} .
وقيل: إن {قيما} منصوب بإضمار فعل; المعنى: ولكن جعله قيما، فهو مفعول ثان لـ(جعل) المضمر; فيوقف على هذا التقدير على {الكتاب} ، ولا يوقف عليه على التقدير الأول.
وقيل: انتصابه على تقدير: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، أنزله قيما، فهو منصوب على الحال من الهاء المضمرة مع الفعل المضمر.
وسكوت حفص على {عوجا} ; إيذان بأن الجملة معترضة، وفرار من أن يتوهم في وصله أن {قيما} وصف لـ {عوجا} ، وسكوته على {مرقدنا} ; ليدل على أن
هذا ما وعد الرحمن ابتداء، وسكوته على {من} ، و {بل} ; من
من راق القيامة: 27]، و
بل ران [المطففين: 14]; حرص على الإظهار، وفرار من الإدغام.
وقوله:
ماكثين فيه أبدا : {ماكثين} : منصوب على الحال من الضمير في {لهم} ، والعامل فيه الظرف، ولا يكون صفة لـــ(أجر) ; لأنه لو كان كذلك; لظهر الضمير في {ماكثين} ; لأنه للقوم، وقد جرى على (الأجر) ،
[ ص: 176 ] وقوله: [ {فيه} ; أي: ماكثين في موجبه].
ما لهم به من علم ولا لآبائهم : يجوز أن تكون هذه الجملة صفة للنكرة التي هي قوله: {ولدا} ، ويجوز أن تكون حالا من الضمير، فيكون التقدير: قالوا جاهلين: اتخذ الله ولدا.
كبرت كلمة تخرج من أفواههم : يجوز أن يكون في {كبرت} ضمير مما جرى من ذكر اتخاذ الولد، وأنث على المعنى; لأنه كلمة، فتكون {كلمة} منتصبة على الحال، ولا يكون بمنزلة (نعم) ; لأن فاعل (نعم) لا يكون معهودا، فهو بمنزلة قوله:
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [الصف: 3].
ويجوز أن تجعله بمنزلة (نعم) ، وتضمر فيه شائعا، كما تضمر في (نعم) في (نعم رجلا زيد) ، ولا تكون {كلمة} تأكيدا; لكن لا بد منها; لتبيين المضمر، فيحتمل على هذا التقدير أن يكون قوله:
تخرج من أفواههم صفة
[ ص: 177 ] لـ {كلمة} المذكورة، والمخصوص بالذم محذوف، لدلالة
قالوا اتخذ الله ولدا عليه، ويحتمل أن يكون صفة للمخصوص بالذم، وقد حذف; التقدير: كبرت الكلمة كلمة [كلمة] تخرج من أفواههم، فحذف المخصوص بالذم، وإذا جاز الحذف، وألا يبقى منه شيء; كان الحذف وبقاء الصفة أجوز.
ومن رفع {كلمة} ; أخلص الفعل للظاهرة.
وسمى قولهم:
اتخذ الله ولدا كلمة; كما تسمى القصيدة ونحوها كلمة; فالتقدير: عظمت كلمة هي قولهم:
اتخذ الله ولدا .
إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا : {أسفا} : مصدر في موضع الحال، أو مفعول له.
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها : {زينة} : مفعول له إن قدرت (جعل) بمعنى: (خلق) ، أو مفعول ثان إن قدرت (جعل) بمعنى: (صير).
وقوله:
لنبلوهم أيهم أحسن عملا : لم يعمل في (أي) ما قبلها; لأنها استفهام; والمعنى: لنختبر أهذا أحسن أم هذا؟ وقوله:
سنين عددا : نصب قوله: {عددا} على المصدر، أو على النعت لـ {سنين} .
[ ص: 178 ] لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا : {أي} : رفع بالابتداء، و {أمدا} : منصوب على التمييز، قاله الزجاج، قال: وإن شئت نصبته على: أحصى أمدا; فيكون العامل فيه {أحصى} ، كأنه قال: لنعلم أهؤلاء أحصى أم هؤلاء؟ أو يكون منصوبا بـ {لبثوا} ، ويكون {أحصى} متعلقا بـ {لما} ، فيكون المعنى: لنعلم أي الحزبين أحصى للبثهم في الأمد؟
وأنكر
أبو علي وغيره انتصاب قوله: {أمدا} على التفسير; من أجل أن {أحصى} يجعل اسما على (أفعل) ، ولا يقال: (هو أفعل من كذا) من (أفعل) الذي هو فعل رباعي، قال: ولا يقاس على قولهم: (ما أولاه للخير!) ، و (ما أعطاه للدراهم!) ، لأنه شاذ، قال: ولأن ما انتصب على التمييز في نحو هذا فاعل في المعنى; نحو: (هذا أكثر مالا، وأحسن وجها) ، و (الأمد) الذي في الآية ليس هو الذي يحصي، ويجوز لمن قدر {أحصى} اسما أن ينصب {أمدا} بفعل دل عليه {أحصى} ; كأنه قال: يحصي أمدا.
وكره
أبو علي أيضا انتصابه على الظرف; من أجل أن {أحصى} يعدى بحرف جر، وهو غير محتاج إلى حرف، هذا على أن يقدر {أحصى} فعلا، فإن قدر على أنه
[ ص: 179 ] (أفعل من كذا) ، وقدر (الأمد) منتصبا بـ {لبثوا} ; لم يمتنع; فيكون التقدير: أحصى للبثهم في الأمد، فيتصل {أحصى} باللام; إذ ليس بفعل، ولا ينكر اتصاله باللام إذا لم يكن فعلا; كما تقول: (هو أضرب لزيد) .
واختيار
أبي علي: أن يكون {أحصى} فعلا، ويكون التقدير: لنعلم أي الحزبين أحصى أمدا للبثهم; فـ (الأمد) : مفعول لـ {أحصى} .
وقوله: {تزاور} ، و {تزاور} سواء، التشديد على الإدغام، والتخفيف على حذف التاء، و {تزور} مثل: (تحمر) ، ومعناه: تنقبض.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13673الأخفش: لا يوضع {تزور} موضع (تتمايل) ; إنما يقال: (مزور عني) ; أي: منقبض.
و {تزوار} : (تفعال) ، وأكثر ما يأتي هذا البناء في الألوان; نحو: (تسواد) ، و (تحمار) .
وقد تقدم القول في مثل إسكان الراء من {بورقكم} ، وفي {إذ} من
إذ يتنازعون بينهم أمرهم .
[ ص: 180 ] ومن فتح الميم من {خمسة} ; فهي لغة، وهي متبعة (عشرة).
وقوله:
رابعهم كلبهم : ابتداء وخبر، ولا يصح كونه وصفا لـ {ثلاثة} ، وارتفاع {كلبهم} به; لأنه يراد به الماضي; فلا يعمل عمل الفعل، ولا تكون الجملة حالا لـ {ثلاثة} ; إذ لا تجد للحال ما ينصبها، ولا يصح أن تقدره على معنى: هؤلاء ثلاثة; لأنهم لم يكونوا شاهدين، مع أن {ثلاثة} نكرة، وسبيل الحال أن تكون بعد معرفة إلا فيما شذ.
ولا تكون الجمل وصفا لـ {ثلاثة} ; لأن الجملة التي في آخر الكلام فيها واو العطف، فهي في الجملتين الأوليين مرادة، وإنما حذفت الواو من الجملتين الأوليين; لانعقادهما بالضمير انعقاد إتباع، لا انعقاد وصف، ولا حال.
ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين : من نون
ثلاث مائة ; كان قوله: {سنين} في موضع نصب على البدل من {ثلاث} ، ويجوز أن يكون معطوفا [على {ثلاث} عطف البيان، ويجوز أن] يكون من نعت (المئة) ، وهو راجع في المعنى إلى {ثلاث} ; لأن {مائة} في معنى: (مئين) .
[ ص: 181 ] ومن أضاف; جاء بقوله: {سنين} على الأصل، والاستعمال أن يضاف إلى الواحد.
وقيل: إن أول ما نزل:
ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة ، فلما قيل: ما الذي لبثوا؟ أسنين، أم شهورا، أم أياما، أم ساعات ؟ قال: سنين.
ومن قرأ:
ولا تطع من أغفلنا قلبه ; فمعناه: من ظن أنا غافلون عنه، فهو راجع إلى قولهم: (أبخلت زيدا) ; إذا وجدته بخيلا، والله تعالى وإن كان لا يغفل، ولا يوصف بأنه يوجد غافلا; فإن هؤلاء الذين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن طاعتهم قد فعلوا فعل من جعل الله تعالى غافلا في اعتقاده وظنه، تعالى الله عز وجل عن ذلك; ولذلك قال:
وما الله بغافل عما تعملون [البقرة:74]، وقوله:
عن ذكرنا -على هذه القراءة- متعلق بمحذوف; والتقدير: فغفل عن ذكرنا، واتبع هواه].
* * *