قالت: فرجعت إلى عبد الله. فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم. قالت: فقال لي عبد الله. بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها. قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت: فخرج علينا nindex.php?page=showalam&ids=115بلال فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل nindex.php?page=showalam&ids=115بلال على [ ص: 538 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هما؟ فقال: امرأة منالأنصار وزينب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة". ]
(الشرح)
(عن زينب امرأة عبد الله) بن مسعود رضي الله عنهما (قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقن يا معشر النساء!") .
(ولو من حليكن) هو بفتح الحاء وإسكان اللام مفرد، وأما الجمع فيقال: بضم الحاء وكسرها، واللام مكسورة فيهما. والياء مشددة.
(قالت: فرجعت إلى عبد الله، فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة. فائته فاسأله. فإن كان ذلك يجزي عني) بفتح الياء. أي: "يكفي ".
(وإلا صرفتها إلى غيركم. قالت: فقال لي عبد الله: بل ائته أنت.
قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاجتي حاجتها. قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة. قالت: [ ص: 539 ] فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك؛ أتجزي الصدقة) بفتح التاء (عنهما على أزواجهما ؟) .
هذه أفصح اللغات، وبها جاء القرآن في قوله تعالى: فقد صغت قلوبكما .
ويقال: على زوجيهما، وعلى زوجهما.
وكذا قولها: (وعلى أيتام في حجورهما ؟) وشبه ذلك، مما يكون لكل واحد من الاثنين منه واحد.
(ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هما؟" فقال: امرأة من الأنصار، وزينب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي الزيانب؟"، قال: امرأة عبد الله) بن مسعود.
وقد يقال: إنه إخلاف للوعد، وإفشاء للسر. وجوابه؛ أنه عارض ذلك جواب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وجوابه صلى الله عليه وآله وسلم واجب متحتم، لا يجوز تأخيره، ولا يقدم عليه غيره.
وقد تقرر: أنه إذا تعارضت المصالح، بدئ بأهمها. هذا كلام النووي .
وأقول: إنما سألناه عدم الإخبار بهما، ولم يسبق من بلال الوعد حتى يقال: إنه إخلاف له.
[ ص: 540 ] وليس في الحديث تصريح بذلك الوعد، فلا حاجة إلى الجواب، والله أعلم بالصواب.
(فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة ") .
قال النووي : المراد به كله: صدقة تطوع. وسياق الأحاديث يدل عليه. انتهى.
وأقول: الظاهر: أن هذه الصدقة، هي صدقة الفرض. ولهذا وقع السؤال عن الإجزاء؛ إذ صدقة النفل على الرحم مجزية.
وأيضا: ترك الاستفصال عنه صلى الله عليه وسلم، يدل على أنه لا فرق في هذا الحكم، بين صدقة الفرض والنفل.
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره، من حديث أبي سعيد: (أنه صلى الله عليه وسلم قال لزينب امرأة nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، لما سألته عن الصدقة: "زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم".)
فعلى تسليم الاحتمال في هذا الحديث، يكون ترك استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم: دليلا على أنه، لا فرق بين صدقة الفرض والنفل.
[ ص: 541 ] (وهكذا ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره عن معن) بن يزيد، (قال: أخرج أبي دنانير؛ يتصدق بها على رجل في المسجد، فأخذتها. فقال: والله! ما إياك "أردت. فجئت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لك ما نويت يا يزيد! ولك ما أخذت يا معن!)
ولم يقع منه صلى الله عليه وآله وسلم (الاستفصال؛ هل هي صدقة نفل) أو فرض؟.
ويؤيد هذا: ما ورد في " الترغيب "، في الصدقة على ذوي الأرحام.
(عن سلمان بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة ".) وفي الباب، عن أبي طلحة. nindex.php?page=showalam&ids=481وأبي أمامة عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني.
[ ص: 542 ] ولفظ الصدقة: يشمل صدقة الفرض. كما يشمل صدقة النفل. ولا يصلح لمعارضة هذا: ما روي عن بعض الصحابة "اجتهادا منه".
قال في "السيل الجرار ": وأما دعوى من ادعى الإجماع: على منع صرف الزكاة في الأصول، والفصول، فتلك إحدى الدعاوى التي لا صحة لها. والمخالف موجود. والدليل قائم.
وأما قولهم: ويجوز لهم من غيره، فلا حاجة إليه؛ لأن الجواز معلوم، وهم لا يغنون بغناه. انتهى.