(عن أبي جمرة ) بالجيم والراء «اسمه نصر بن عمران بن عصام» وقيل «ابن عاصم» الضبعي بضم الضاد المعجمة، البصري. وليس في الصحيحين والموطأ «أبو جمرة» ولا جمرة بالجيم إلا هو، ولا عند المحدثين من يكنى أبا جمرة سواه. قال: كنت أترجم بين يدي nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وبين الناس.
«الترجمة» هي التعبير عن لغة بلغة. قيل: إنه كان يتكلم بالفارسية؛ فكان يترجم لابن عباس عمن يتكلم بها. وقال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح: عندي أنه كان يبلغ كلام ابن عباس إلى من خفي عليه من الناس؛ إما لزحام منع من سماعه فأسمعهم، وإما لاختصار منع من فهمه فأفهمهم أو [ ص: 47 ] نحو ذلك. قال: وإطلاقه لفظ «الناس» يشعر بهذا.
قال: وليست «الترجمة» مخصوصة بتفسير لغة بلغة أخرى، فقد أطلقوا على قولهم «باب كذا» اسم الترجمة؛ لكونه يعبر عما يذكر بعده.
قال النووي: هذا كلام الشيخ. والظاهر أن معناه أنه يفهمهم عنه ويفهمه عنهم والله أعلم (فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر ) لم أقف على اسمها ولم يذكرها النووي أيضا. «والجر» بفتح الجيم «اسم جمع» الواحدة «جرة» ويجمع أيضا على «جرار» وهو الفخار المعروف؛ وفيه دليل على جواز استفتاء المرأة الرجال الأجانب، وسماعها صوتهم وسماعهم صوتها للحاجة «فقال» nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس «إن وفد عبد القيس» .
«الوفد» : الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء والمصير إليهم في المهمات. واحدهم «وافد» .
ووفد «عبد القيس: هؤلاء تقدموا قبائل «عبد القيس» للمهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أربعة عشر راكبا: الأشج العصري رئيسهم.
وفي قوله هذا دليل على أن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11«ابن عباس» أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية ليس بمنسوخ. بل حكمه باق. والصحيح أنه منسوخ (أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الوفد؟ ومن القوم؟ قالوا: «ربيعة» قال: مرحبا بالقوم «أو بالوفد ) .
[ ص: 48 ] «مرحبا» منصوب على المصدر، استعملته العرب وأكثرت منه: تريد به «البر وحسن اللقاء» . ومعناه: صادفت رحبا وسعة. قاله النووي.
وفيه مخالفة المعنى لوجه الإعراب والذي يصح في هذا الموضع ما في «تاج العروس، شرح القاموس» أنها من المصادر التي تقع في الدعاء للرجل. نحو «سقيا ورعيا» يراد بها: سقاك الله سقيا: ورعاك الله رعيا؛ ورحب الله بك مرحبا؛ كأنه وضع موضع «الترحيب» .
وسئل الخليل عن نصب «مرحبا» ، فقال: فيه كمين الفعل. يريد به «انزل» ، أو «أقم» فنصب بفعل مضمر. فلما عرف معناه أميط الفعل. وقيل: معنى قولهم «مرحبا» أتيت رحبا وسعة، لا ضيقا انتهى.
«وندامى» جمع «ندمان» بمعنى : نادم، وهي لغة فيه. وقيل: جمع نادم: إتباعا للخزايا، وكان الأصل «نادمين، فأتبع «لخزايا» تحسينا للكلام. وهذا الإتباع كثير في كلام العرب، وهو من فصيحه.
[ ص: 49 ] ومنه قولهم: إني لآتيه بالغدايا والعشايا. جمعوا «الغداة» على «غدايا» إتباعا «لعشايا» ، والمعنى: أنه لم يكن منكم تأخر عن الإسلام ولا عناد ولا أصابكم «إسار ولا سباء» ولا ما أشبه ذلك مما تستحيون بسببه، أو تذلون، أو تهانون، أو تندمون.
قال: فقالوا: يا رسول الله! إنا نأتيك من شقة بعيدة. بضم الشين وكسرها «لغتان» أفصحهما «الضم» وهي التي جاء بها الكتاب العزيز ومعناها «السفر البعيد» سميت «شقة» ، لأنها تشق على الإنسان. وقيل: هي المسافة، وقيل: الغاية التي يخرج الإنسان إليها. وعلى الأول قولهم: بعيدة مبالغة في بعدها «و إن بيننا وبينك هذا الحي» اسم لمنزل القبيلة؛ ثم سميت القبيلة به، لأن بعضهم يحيا ببعض «من كفار مضر» وكانوا بينهم وبين المدينة، فلا يمكنهم الوصول إلى المدينة إلا بالمرور عليهم.
(وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام ) ، وفي رواية أخرى nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم «ولا نخلص إليك إلا في شهر الحرام» ، أي: لا نصل ولا نقدر على الوصول إليك خوفا من أعدائنا الكفار إلا في الشهر الحرام. فإنهم لا يتعرضون لنا كما كانت عادة العرب من تعظيم الأشهر الحرم، وامتناعهم من القتال فيها. وقولهم «شهر الحرام» «وأشهر الحرم» كقولهم «مسجد الجامع» «وصلاة الأولى» «وجانب الغربي» «ودار الآخرة» من إضافة الموصوف إلى صفته على مذهب أهل الكوفة، وهو عند البصريين على حذف [ ص: 50 ] فيه للعلم به تقديره شهر الوقت الحرام، وأشهر الأوقات الحرم، ومسجد المكان الجامع، ودار الحياة الآخرة، وجانب المكان الغربي، ونحو ذلك. ثم إن قولهم «أشهر الحرم» المراد به جنس «شهر الحرام» كما يدل عليه الرواية الأخرى.
«والأشهر الحرم» ، أربعة أشهر كما نص عليه الكتاب العزيز: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب قال النووي: وهي بإجماع العلماء من أصحاب الفنون، ولكن اختلفوا في كيفية عدها على قولين: فذهب الكوفيون إلى أنه يقال «المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة» وذهب أهل المدينة إلى الأول (فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا» ندخل به الجنة (الفصل» : هو البين الواضح الذي ينفصل به المراد ولا يشكل، وفي رواية أخرى له «فمرنا بأمر نعمل به وندعو إليه من وراءنا» ؛ «قال: فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده» ثم فسرها لهم (وقال: هل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمسا من المغنم ) ، وهذه الألفاظ مما بعد من المشكل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: آمركم [ ص: 51 ] «بأربع» والمذكور في أكثر الروايات «خمس» وليست بمشكلة عند التحقيق لما قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال: وعدهم بأربع ثم زادهم خامسة. يعني «أداء الخمس» لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر فكانوا أهل جهاد وغنائم. وذكر نحوه nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح وقال: ليس عطفا على قوله «شهادة» وإنما هو عطف على قوله «بأربع» فيكون مضافا إلى الأربع لا واحدا منها، وإن كان واحدا من مطلق «شعب الإيمان» . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وكانت وفادة «عبد القيس» عام الفتح قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة. نزلت فريضة الحج سنة تسع بعدها على الأشهر والله أعلم.
[ ص: 53 ] وزاد ابن معاذ في حديثه (عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج ) اسمه المنذر بن عائذ «العصري» بفتح العين والصاد المهملتين. هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله ابن عبد البر والأكثرون، أو الكثيرون. وقال nindex.php?page=showalam&ids=12861ابن الكلبي: المنذر بن الحارث. وقيل: المنذر بن عامر. وقيل: ابن عبيد. وقيل: عائذ بن المنذر. وقيل: عبد الله بن العوف (أشج عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة ) ، أما «الحلم» ، فهو العقل، وأما «الأناة» فهي التثبت وترك العجلة.
وهي مقصودة. وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ما جاء في حديث «الوفد» أنهم لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقام «الأشج» عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه، ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «تبايعون على أنفسكم وقومكم؟ فقال القوم نعم فقال الأشج: يا رسول الله! إنك لم تزاول الرجل عن شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا ونرسل من يدعوهم فمن اتبعنا كان منا ومن أبى قاتلناه. قال: «صدقت: إن فيك خصلتين» الحديث، قال: وفيه استحباب ثناء الرجل على زواره إيناسا وبسطا. وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه «فتنة» بإعجاب ونحوه. وأما استحبابه فيختلف بحسب الأحوال والأشخاص. وأما النهي عن المدح في الوجه فهو في حق من يخاف عليه الفتنة كما ذكرنا. وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة في الوجه.
[ ص: 54 ] ونظائر ذلك كثيرة لا يحصيها المقام.
وأما من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يقتدى بهم فأكثر من أن يحصر والله أعلم.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: «فالأناة» تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل «والحلم» هذا القول الذي قاله الدال على صحة عقله وجودة نظره للعواقب.