قال النووي : وكلاهما تصح إرادته هنا. وفيه: دليل على أن المباحات تصير طاعات، بالنيات الصادقات. فالجماع يكون عبادة، إذا نوي به قضاء حق الزوجة. ومعاشرتها بالمعروف، الذي أمر الله تعالى به. أو طلب ولد صالح، أو إعفاف نفسه. أو إعفاف الزوجة. ومنعهما جميعا من النظر إلى حرام، أو الفكر فيه. أو الهم به. أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
(قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟!
قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر") .
قال النووي : ضبطناه بالرفع والنصب، وهما ظاهران.
[ ص: 598 ] قال: وفيه جواز القياس. وهو مذهب العلماء كافة. ولم يخالف فيه إلا أهل الظاهر، ولا يعتد بهم.
وأما المنقول عن التابعين ونحوهم: من ذم القياس، فليس المراد به: القياس الذي يعتمده الفقهاء المجتهدون.
وهذا القياس المذكور في الحديث، هو من قياس العكس.
واختلف الأصوليون في العمل به. وهذا الحديث دليل لمن عمل به، وهو الأصح. انتهى.
وأقول: أهل الظاهر لا يقولون بالقياس. وقد استدلوا على ذلك بأدلة عقلية ونقلية.
ولا حاجة لهم إلى الاستدلال. فالقيام في مقام المنع يكفيهم. وإيراد الدليل على القائلين به.
وقد جاءوا بأدلة عقلية، لا تقوم بها الحجة.
وجاءوا بأدلة نقلية. وأطالوا الكلام في الاستدلال بها على ذلك، وشغلوا الحيز مما لا طائل تحته.
وفي عمومات القرآن والحديث، ومطلقاتهما، وخصوص نصوصهما: ما يفي بكل حادثة تحدث، ويقوم ببيان كل نازلة تنزل.
عرف ذلك من عرفه، وجهله من جهله.
[ ص: 599 ] وقوله: ولا يعتد بهم. أي: بأهل الظاهر: كلام ساقط. فإن فيهم من أكابر الأئمة، وحفاظ السنة، المتقيدين بنصوص الشريعة: جمعا جما.
ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة، التي لم يدل عليها كتاب ولا سنة.
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
والكلام على حجية القياس وأقسامه يطول. وليس هذا موضع بسطه. فإن شئت زيادة الاطلاع على مباحثه، فعليك بكتابك:
(إرشاد الفحول، إلى تحقيق الحق من علم الأصول) . وملخصه المسمى: (بحصول المأمول، من علم الأصول) . يتضح عليك عند مطالعتهما "إن شاء الله تعالى": ما هو الحق الحقيق بالاتباع. إن كنت ممن يدرك حقائق المنقول.