(عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ) رضي الله عنه، ( قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس ! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا " ).
فيه: الأمر بالحج.
واختلف الأصوليون في أن الأمر: هل يقتضي التكرار أم لا ؟
والصحيح عند الشافعية: لا يقتضيه.
والثاني: يقتضيه.
والثالث: يتوقف فيما زاد على مرة، على البيان. فلا يحكم باقتضائه، ولا بمنعه.
(فقال رجل ). وهو الأقرع بن حابس. كما جاء مبينا في غير هذه الرواية: ( أكل عام ؟ يا رسول الله ! فسكت ).
قال النووي : وقد يستدل بهذا من يقول بالتوقف. لأنه سأل فقال: ( أكل عام ؟ ). [ ص: 192 ] ولو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه، لم يسأل. ولقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " لا حاجة إلى السؤال ". بل مطلقه محمول على كذا.
والجواب: أنه سأل استظهارا واحتياطا. وقوله الآتي: " ذروني ما تركتكم "، ظاهر في أنه لا يقتضي التكرار.
قال nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي: ويحتمل أنه إنما احتمل التكرار عنده، من وجه آخر. لأن الحج في اللغة: ( قصد فيه تكرر ). فاحتمل عنده التكرار، من جهة الاشتقاق، لا من مطلق الأمر.
قال: وقد تعلق بما ذكرناه عن أهل اللغة ههنا، من قال بإيجاب العمرة.
وقال: لما كان قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت يقتضي تكرار قصد البيت، بحكم اللغة والاشتقاق. وقد أجمعوا على أن الحج لا يجب إلا مرة، كانت العودة الأخرى إلى البيت تقتضي كونها عمرة. لأنه لا يجب قصده لغير حج وعمرة بأصل الشرع.
( حتى قالها ثلاثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم " ).
قال في ( المنتقى ): فيه: دليل على أن الأمر لا يقتضي التكرار. انتهى.
قلت: هذه المسألة أصولية. بسطت القول فيها، في( حصول المأمول ).
وذكرت اختلاف العلماء فيها [ ص: 193 ] وحاصلها: أنه لا دلالة للصيغة على التكرار، إلا بقرينة تفيد ذلك وتدل عليه. فإن حصلت حصل التكرار، وإلا فلا.
فلا يتم استدلال المستدلين على التكرار، بصور خاصة، اقتضى الشرع أو اللغة: أن الأمر فيها يفيد التكرار.
لأن ذلك خارج عن محل النزاع. وليس النزاع إلا في مجرد دلالة الصيغة، مع عدم القرينة.
فالتطويل في مثل هذا المقام، بذكر الصور التي ذكرها أهل الأصول، لا يأتي بفائدة.
ثم في قوله صلى الله عليه وسلم: " لو قلت: نعم، لوجبت " دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم مفوض في شرع الأحكام.
قال النووي : ( فيه ): دليل للمذهب الصحيح، أنه صلى الله عليه وسلم، كان له أن يجتهد في الأحكام.
ولا يشترط في حكمه: أن يكون بوحي.
وقيل: يشترط. وهذا القائل يجيب عن هذا الحديث بأنه ؛ لعله أوحي إليه ذلك. والله أعلم. انتهى.
قال في (شرح المنتقى ): وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول.
فإن وجد عذر يبيحه، كأكل الميتة عند الضرورة، أو شرب الخمر عند الإكراه، أو التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره، ونحو ذلك: فهذا ليس منهيا عنه في هذا الحال. والله أعلم.