قال: "فهن لهن. ولمن أتى عليهن من غير أهلهن. ممن أراد الحج والعمرة. فمن كان دونهن فمن أهله. وكذا فكذلك. حتى أهل مكة يهلون منها"].
[ ص: 231 ] (الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ) رضي الله عنهما، (قال: وقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ( ذا الحليفة )) . بضم الحاء وبالفاء مصغرا.
قال النووي : هي أبعد المواقيت من مكة ، بينهما نحو عشر مراحل أو تسع. وهي قريبة من المدينة ، على نحو ستة أميال منها.
وقال الحافظ في (الفتح): مكان معروف، بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين. قاله nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم .
قال: وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة، خراب. وفيها بئر يقال لها: بئر علي.
(ولأهل الشام " الجحفة ") بجيم مضمومة، ثم حاء مهملة ساكنة.
سميت بذلك، لأن السيل أجحفها في وقت.
وهي ميقات لهم، ولأهل مصر .
ويقال لها: ( مهيعة ). بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح الياء. كما ذكره في بعض روايات nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض عن بعضهم: (كسر الهاء). والصحيح المشهور: إسكانها.
قال النووي : وهي على نحو ثلاث مراحل من مكة ، على طريق المدينة . ومثله في (شرح المهذب) له.
[ ص: 232 ] قال الحافظ في (الفتح): وفيه نظر.
وقال في (القاموس): هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة . بها غدير (خم) ، كما قال صاحب (النهاية) رحمه الله.
ولأهل نجد ( قرن ). هكذا وقع في أكثر النسخ: ( قرن ) من غير ألف بعد النون.
وفي بعضها: ( قرنا ) بالألف، وهو الأجود. لأنه موضع واسم لجبل، فوجب صرفه.
والذي وقع بغير ألف، يقرأ منونا.
وإنما حذفوا الألف، كما جرت عادة بعض المحدثين يكتبون: (يقول سمعت nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ) بغير ألف، ويقرأ بالتنوين.
ويحتمل على بعد أن يقرأ: ( قرنا ) منصوبا بغير تنوين. ويكون أراد به البقعة. فيترك صرفه.
( وقرن المنازل ) بفتح القاف وإسكان الراء، بلا خلاف بين أهل العلم: من أهل الحديث، واللغة والتاريخ، والأسماء، وغيرهم.
قال النووي : وغلط الجوهري في صحاحه فيه غلطين فاحشين، فقال: (بفتح الراء). وزعم أن nindex.php?page=showalam&ids=12338أويسا القرني منسوب إليه. والصواب: إسكان الراء. وأن nindex.php?page=showalam&ids=12338أويسا منسوب إلى قبيلة معروفة، يقال لهم: ( بنو قرن ). وهي بطن من مراد (القبيلة المعروفة). ينسب إليها ( المرادي ).
[ ص: 233 ] وقرن المنازل على نحو مرحلتين من مكة . قالوا: وهو أقرب المواقيت إلى مكة . انتهى.
وغلطه أيضا صاحب القاموس.
وقيل: إنه بالسكون (الجبل). وبالفتح (الطريق). حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض عن nindex.php?page=showalam&ids=14933القابسي .
قال في (الفتح): والجبل المذكور، بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان.
(ولأهل اليمن " يلملم ") بفتح الياء واللامين. ويقال أيضا: ( ألملم ) بهمزة بدل الياء. لغتان مشهورتان.
وهو جبل من جبال ( تهامة ) ، على مرحلتين من مكة . قاله النووي . ومثله في (القاموس). وقال في (الفتح) كذلك. وزاد: بينهما ثلاثون ميلا.
(قال: فهن لهن) . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : كذا جاءت الرواية في الصحيحين وغيرهما، عند أكثر الرواة.
قال: ووقع عند بعض رواة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم : (فهن لهم). وكذا رواه أبو داود وغيره. وكذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة . وهو الوجه. لأنه ضمير أهل هذه المواضع.
قال: ووجه الرواية المشهورة: أن الضمير في (لهن) ، عائد على المواضع والأقطار المذكورة. وهي المدينة ، والشام ، واليمن ، ونجد .
[ ص: 234 ] أي: هذه المواقيت لهذه الأقطار. والمراد: لأهلها. فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.
وعبارة شيخنا في (النيل) هكذا: (هن) أي: المواقيت. وهي ضمير جماعة المؤنث. وأصله لما يعقل.
وقد يستعمل فيما لا يعقل. لكن فيما دون العشرة. كذا في (الفتح).
(ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة) .
قال النووي : معناه: أن الشامي إذا مر بميقات المدينة في ذهابه، لزمه أن يحرم من ميقات المدينة ، ولا يجوز له تأخيره إلى ميقات الشام ، الذي هو ( الجحفة ). وكذا الباقي من المواقيت.
قال: وهذا لا خلاف فيه. انتهى.
"وفيه": دلالة للمذهب الصحيح، فيمن مر بالميقات لا يريد حجا ولا عمرة : أنه لا يلزمه الإحرام لدخول مكة ، سواء دخل لحاجة [ ص: 235 ] تتكرر: كحطاب، وحشاش، وصياد، ونحوهم. أو لا تتكرر: كتجارة، وزيارة، ونحوهما.
وفي المسألة خلاف منتشر، وفروع ذكرها النووي وغيره.
والذي ذكرناه، هو المدلول للدليل الصحيح الصريح.
وفائدة المواقيت: أن من أراد حجا، أو عمرة، حرم عليه مجاوزتها بغير إحرام، ولزمه الدم.
قال الأئمة الأربعة والجمهور: هي واجبة، لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم، ولزمه دم، وصح حجه.
وقال عطاء nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي : لا شيء عليه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : لا يصح حجه.
(فمن كان دونهن) . أي: بين الميقات ومكة .
(فمن أهله) . أي: فميقاته من محل أهله.
(وكذا فكذلك) . هكذا هو في جميع النسخ. وهو صحيح.
ومعناه: وهكذا فهكذا. من جاوز مسكنه الميقات.
(حتى أهل مكة يهلون منها) .
(الإهلال) أصله: رفع الصوت. لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعا.
قال المحب الطبري : لا أعلم أحدا جعل ( مكة ) ميقاتا للعمرة. انتهى.
أقول: جعلها ميقاتا لها، من لم يعمل بحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وأوله على [ ص: 237 ] تطييب نفسها. وإلى هذا جنح شيخ الإسلام (ابن تيمية) ، وتلميذه الحافظ (ابن القيم) .
وعندي: أن الإعمال خير من الإهمال. وإليه شيخنا الشوكاني رحمه الله تعالى قد مال. والله أعلم بحقيقة الحال.