(عن سالم بن عبد الله، أنه سمع أباه رضي الله عنه يقول: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فيها) .
قال أهل العلم: هي (الشرف) الذي قدام ذي الحليفة ، إلى جهة مكة . وهي بقرب ذي الحليفة .
وسميت: (بيداء). لأنه ليس فيها بناء ولا أثر. وكل مفازة تسمى: (بيداء).
وأما هنا، فالمراد بالبيداء: ما ذكرناه.
والمعنى: أنكم تقولون: إنه -صلى الله عليه وسلم - أحرم منها، ولم يحرم منها.
(ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد. "يعني: ذا الحليفة") .
أي: إنما أحرم قبلها، من عند ذاك المسجد، ومن عند الشجرة التي كانت عند المسجد.
وسماهم ابن عمر: (كاذبين): لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو.
قال النووي في مقدمة صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : إن الكذب عند أهل السنة : هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء تعمده، أم غلط فيه، أم سها.
وقالت المعتزلة : يشترط فيه العمدية.
[ ص: 254 ] وعندنا: أن العمدية شرط لكونه (إثما)، لا لكونه يسمى (كذبا). فقول nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر جار على هذه القاعدة.
"وفيه": أنه لا بأس بإطلاق هذه اللفظة.
"وفيه": دلالة على أن ميقات أهل المدينة ، من عند مسجد ذي الحليفة، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام إلى البيداء. وبهذا قال جميع العلماء.
فإن قيل: إنما أحرم من الميقات لبيان الجواز. قلنا: هذا غلط الوجهين؛أحدهما: أن البيان قد حصل بالأحاديث الصحيحة، في بيان المواقيت.
والثاني: أن فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، إنما يحمل على بيان الجواز، في شيء يتكرر فعله كثيرا، فيفعله مرة أو مرات على الوجه الجائز، لبيان الجواز. ويواظب غالبا على فعله على أكمل وجوهه.
وذلك كالوضوء مرة ومرتين وثلاثا. كله ثابت. والكثير: أنه -صلى الله عليه وسلم - توضأ (ثلاثا ثلاثا).
وأما الإحرام بالحج (فلم يتكرر). وإنما جرى منه -صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة، فلا يفعله إلا على أكمل وجوهه. والله أعلم.