ثم قال: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعا". فقالت: يا رسول الله! إني أجد في نفسي: أني لم أطف بالبيت حتى حججت. قال: "فاذهب بها يا عبد الرحمن! فأعمرها من التنعيم". وذلك ليلة الحصبة ].
(الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه، أنه قال: أقبلنا مهلين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بحج مفرد، وأقبلت عائشة رضي الله عنها بعمرة، حتى إذا كنا بسرف ) بفتح السين المهملة وكسر الراء. وهو ما بين مكة والمدينة ، بقرب مكة . على أميال منها. قيل: ستة. وقيل: سبعة. وقيل: تسعة. وقيل: عشرة. وقيل: اثنا عشر ميلا.
(حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة ، والصفا والمروة ، فأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: أن يحل منا من لم يكن معه هدي) . بإسكان الدال وتخفيف الياء. وبكسر الدال وتشديد الياء. لغتان مشهورتان. الأولى أفصح وأشهر.
وهو اسم لما يهدى إلى ( الحرم ) ، من الأنعام.
وسوق الهدي سنة، لمن أراد أن يحرم بحج أو عمرة.
(قال: فقلنا: حل ماذا؟ قال: "الحل كله، قال: فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال. ثم أهللنا يوم التروية) . وهو اليوم الثامن من ذي الحجة. وسبق بيانه.
(ثم دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها ، فوجدها تبكي. فقال: "ما شأنك؟" قالت: شأني: أني قد حضت، وقد حل الناس ولم أحلل، ولم أطف بالبيت. والناس يذهبون إلى الحج الآن. فقال: [ ص: 265 ] "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ") . هذا تسلية لها.
والمعنى: أنك لست مختصة به. بل كل بنات آدم ، يكون منهن هذا. كما يكون منهن ومن الرجال: البول والغائط وغيرهما.
واستدل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه، (في كتاب الحيض) ، بعموم هذا الحديث: على أن (الحيض) كان في جميع بنات آدم . وأنكر به على من قال: إن الحيض، أول ما أرسل ووقع في بني إسرائيل.
(فاغتسلي. ثم أهلي بالحج) .
هذا الغسل، هو الغسل للإحرام . وأنه يستحب لكل من أراد الإحرام بحج أو عمرة. سواء: الحائض وغيرها.
(ففعلت. ووقفت المواقف. حتى إذا طهرت) بفتح الطاء وضمها. والفتح أفصح.
(طافت بالكعبة ، والصفا والمروة . ثم قال: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعا") .
يستنبط منه (ثلاث) مسائل حسنة؛إحداها: أن " nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، كانت قارنة، ولم تبطل عمرتها. وأن رفض العمرة كما في حديث آخر: nindex.php?page=hadith&LINKID=74156 "ارفضي عمرتك" : متأول.
وموضع الدلالة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أمرها: أن تصنع ما يصنع الحاج؛ غير الطواف بالبيت. ولم تسع. كما لم تطف.
فلو لم يكن السعي، متوقفا على تقدم الطواف عليه، لما أخرته.
وطهر nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة هذا، كان يوم السبت. وهو يوم النحر، (في حجة الوداع).
وكان ابتداء حيضها هذا، يوم السبت أيضا. لثلاث خلون من ذي الحجة، سنة عشر.
ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن حزم ، في كتاب (حجة الوداع). حكاه النووي .
(فقالت: يا رسول الله! إني أجد في نفسي: أني لم أطف بالبيت حتى حججت) .
وإنما حرصت على ذلك، لتكثر أفعالها. وأرادت أن تكون لها: عمرة مفردة عن الحج. كما حصل لسائر أمهات المؤمنين، وغيرهن [ ص: 267 ] من الصحابة، الذين فسخوا الحج إلى العمرة، وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية. ثم أحرموا بالحج من مكة ، يوم التروية. فحصل لهم عمرة منفردة، وحجة منفردة.
وأما nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، فإنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة القران.
(قال: "فاذهب بها يا عبد الرحمن! فأعمرها من التنعيم ") .
"فيه": دليل على أن من كان بمكة ، وأراد العمرة، فميقاته لها: (أدنى الحل). ولا يجوز أن يحرم بها من الحرم .
فإن خالف، وأحرم بها من ( الحرم ) ، وخرج إلى الحل قبل الطواف: أجزأه، ولا دم عليه.
وإن لم يخرج، وطاف وسعى وحلق. ففيه قولان: أصحهما: تصح عمرته، وعليه دم لتركه الميقات.
قال أهل العلم: وإنما وجب الخروج إلى الحل، ليجمع في نسكه بين الحل والحرم. كما أن الحاج يجمع بينهما؛ فإنه يقف بعرفات . وهي في الحل. ثم يدخل مكة للطواف وغيره.
هذا تفصيل مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وهكذا قال جمهور العلماء: أنه يجب الخروج لإحرام العمرة: إلى أدنى الحل . وأنه لو أحرم بها في الحرم ، ولم يخرج: لزمه دم.
وقال عطاء : لا شيء عليه.
[ ص: 268 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا يجزئه (حتى) يخرج إلى الحل.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : ولا بد من إحرامه من التنعيم خاصة. قالوا: وهو ميقات المعتمرين من مكة .
قال النووي : وهذا شاذ مردود. والذي عليه الجماهير: أن جميع جهات الحل سواء. ولا تختص بالتنعيم . انتهى.
وأقول: ذهب شيخ الإسلام (ابن تيمية) ، وتلميذه الحافظ (ابن القيم) : إلى أن يحرم المعتمر للعمرة من ( مكة ). ولا يخرج إلى الحل. لعدم ورود دليل صريح يدل على ذلك. وكان خروج nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إلى ( التنعيم ): تطييبا لنفسها، لا تشريعا.
وفي المسألة أبحاث، ودلائل.
وجنح العلامة ( الشوكاني ): إلى مذهب الجمهور. ولكل وجهة هو موليها.
(وذلك ليلة الحصبة) بفتح الحاء وإسكان الصاد. وهي التي بعد أيام التشريق.
وسميت بذلك: لأنهم نفروا من ( منى ) ، فنزلوا في ( المحصب ) وباتوا به.