(عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخفين. وليقطعهما أسفل من الكعبين") .
قال النووي : قال العلماء: هذا من بديع الكلام وجزله. فإنه -صلى الله عليه وسلم -، سئل عما يلبسه المحرم؟ فقال: لا يلبس كذا وكذا. فحصل في الجواب أنه: لا يلبس المذكورات، ويلبس ما سوى ذلك. وكان التصريح مما لا يلبس أولى، لأنه منحصر.
وأما الملبوس الجائز للمحرم، فغير منحصر.
فضبط الجميع بقوله -صلى الله عليه وسلم -: (لا يلبس كذا وكذا). يعني: ويلبس ما سواه. انتهى.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي: سئل عما يلبس؟ فأجاب بما ليس يلبس. ليدل بالالتزام من طريق المفهوم، على ما لا يجوز. وإنما عدل عن الجواب لأنه أخصر.
[ ص: 331 ] وفيه: إشارة، إلى أن حق السؤال: أن يكون عما لا يلبس. لأنه الحكم العارض في الإحرام، المحتاج إلى بيانه. إذ الجواز ثابت بالأصل، معلوم بالاستصحاب. فكان اللائق: السؤال عما لا يلبس.
وقال غيره: هذا شبه الأسلوب الحكم. ويقرب منه قوله تعالى:
قال ابن دقيق العيد : يستفاد منه: أن المعتبر في الجواب، ما يحصل به المقصود، كيف كان. ولو بتغيير أو زيادة. ولا يشترط المطابقة. انتهى.
قال في (شرح المنتقى): وقد أجمعوا على أن هذا مختص بالرجل، فلا يلحق به المرأة.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : أجمعوا على: أن للمرأة لبس جميع ذلك. وإنما تشترك مع الرجل، في منع الثوب الذي مسه الزعفران، أو الورس. وسيأتي الكلام على ذلك.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : أجمع المسلمون، على أن ما ذكر في هذا الحديث، لا يلبسه المحرم. وقد نبه بالقميص والسراويل: على كل مخيط. وبالعمائم والبرانس: على غيره. وبالخفاف: على كل ساتر. انتهى. ومثله في النووي (رحمه الله) ، مع تفصيل هذا المجمل.
[ ص: 332 ] وتقدم الجواب عن ذلك، في الباب المتقدم.
قال النووي : وأما المرأة، فيباح لها ستر جميع بدنها، بكل ساتر من مخيط وغيره؛ إلا ستر وجهها، فإنه حرام بكل ساتر. وفي ستر يديها بالقفازين خلاف للعلماء، أصحها: تحريمه. انتهى.
قال في (شرح المنتقى): (الكعبان) هما: العظمان، الناتئان عند مفصل الساق والقدم. هذا هو المعروف عند أهل اللغة.
[ ص: 333 ] قال: وظاهر الحديث: أنه لا فدية على من لبسهما، إذا لم يجد النعلين.
وعن الحنفية : تجب. وتعقب بأنها: لو كانت واجبة لبينها النبي -صلى الله عليه وسلم -. لأنه وقت الحاجة. وتأخير البيان عنه لا يجوز.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة : الأولى: قطعهما. عملا بالحديث الصحيح، وخروجا من الخلاف.
وفي (المنتقي)، تحت حديث ( nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ) : هذا بظاهره ناسخ لحديث ( nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ) بقطع الخفين، لأنه قال بعرفات ، في وقت الحاجة. وحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان بالمدينة .
وتعقبه شارح (المنتقى) بجوابات، عن أهل العلم. ثم قال: قال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : يحمل الأمر بالقطع: على الإباحة، لا على الاشتراط. عملا بالحديثين. قال: ولا يخفى أنه متكلف.
والحق: أنه لا تعارض بين مطلق ومقيد. لإمكان الجمع بينهما: بحمل المطلق على المقيد. والجمع ما أمكن هو الواجب. فلا يصار إلى الترجيح. ولو صار المصير إلى الترجيح، لأمكن ترجيح المطلق بأنه: ثابت من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر . ورواية اثنين أرجح من رواية واحد. انتهى.
[ ص: 334 ] (ولا تلبسوا من الثياب شيئا، مسه الزعفران، ولا الورس.) بفتح الواو وسكون الراء: نبت أصفر، طيب الرائحة، يصبغ به.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ليس الورس من الطيب، ولكنه نبه به على: اجتناب الطيب، وما يشبهه في ملاءمة الشم. فيؤخذ منه: تحريم أنواع الطيب على المحرم. وهو مجمع عليه، فيما يقصد به التطيب.
وظاهر قوله: (مسه): تحريم ما صبغ كله أو بعضه. ولكنه لا بد عند الجمهور: من أن يكون للمصبوغ رائحة. فإن ذهبت، جاز لبسه. خلافا لمالك. انتهى.
قال النووي : نبه (بالورس والزعفران): على ما في معناهما. وهو الطيب. فيحرم على الرجل والمرأة جميعا في (الإحرام): جميع أنواع الطيب. والمراد: ما يقصد به الطيب.
وأما الفواكه: كالأترج، والتفاح. وأزهار البراري: كالشيح، والقيصوم، ونحوهما: فليس بحرام. لأنه لا يقصد للطيب.
قال: قال العلماء: والحكمة، في تحريم اللباس المذكور على المحرم، ولباسه الإزار والرداء: أن يبعد عن الترفه. ويتصف بصفة الخاشع الذليل. وليتذكر أنه محرم في كل وقت. فيكون أقرب إلى كثرة أذكاره، وأبلغ في مراقبته، وصيانته لعبادته، وامتناعه من ارتكاب [ ص: 335 ] المحظورات، وليتذكر به الموت، ولباس الأكفان، ويتذكر البعث يوم القيامة، والناس حفاة عراة، مهطعين إلى الداعي.
والحكمة، في تحريم الطيب والنساء: أن يبعد عن الترفه، وزينة الدنيا، وملاذها. ويجتمع همه لمقاصد الآخرة.