(عن عبد الله بن زيد بن عاصم ) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة". )
هذا يدل على: أن تحريم مكة، إنما هو كان في زمن إبراهيم عليه السلام. والصحيح: أنه كان يوم خلق الله السماوات والأرض. كما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس (عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ) يرفعه، بلفظ:
وفي الأحاديث الأخرى، التي ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم: إن إبراهيم حرم مكة. منها: حديث الباب. فظاهرها الاختلاف.
وفي المسألة خلاف مشهور، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي في (الأحكام السلطانية )، وغيره من أهل العلم، في وقت تحريم مكة. فقيل: ما قلنا.
وقيل: ما زالت حلالا كغيرها، إلى زمن إبراهيم عليه السلام، ثم ثبت له التحريم من زمنه (عليه السلام ). وهذا القول: يوافق هذا الحديث.
والقول الأول: يوافق الحديث الأول. وبه قال الأكثرون.
[ ص: 41 ] وأجابوا عن هذا الحديث: بأن تحريمها كان قديما، ثم خفي واستمر خفاؤه إلى زمن إبراهيم، فأظهره وأشاعه، لا أنه ابتدأه.
ومن قال بالثاني، أجاب عن الأول: بأن معناه: أن الله كتب في اللوح المحفوظ، أو في غيره، (يوم خلق الله السماوات والأرض ): أن إبراهيم، سيحرم مكة بأمر الله تعالى.
قال النووي: وذكروا في تحريم إبراهيم احتمالين ;
أحدهما: أنه حرمها بأمر الله له بذلك، لا باجتهاده، فلهذا أضاف التحريم إليه تارة، وإلى الله تعالى تارة.
والثاني: أنه دعا لها، فحرمها الله تعالى بدعوته، فأضيف التحريم إليه لذلك.
(ودعا لأهلها ).
وهذا الدعاء، هو الذي حكاه الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام، في كتابه العزيز، كما قال:
إلى غير ذلك، من الدعوات: المحكية في القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم. [ ص: 42 ] (وإني حرمت المدينة، كما حرم إبراهيم مكة ).
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم الأحاديث التي بعده بمعناه. وهي حجة ظاهرة nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك، ومرافقيهما: في تحريم صيد المدينة، وتنفيره، وخبط شجرها وعضده.
وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وجمهور أهل العلم ; من أن للمدينة حرما، كحرم مكة: يحرم صيده، وشجره.
وأجيب عنه: بأن ذلك، كان قبل تحريم المدينة. أو أنه من صيد الحل، لا من حرم المدينة.
قال النووي: وهذا الجواب، لا يلزمهم على أصولهم، لأن مذهب الحنفية: أن صيد الحل، إذا أدخله الحلال إلى الحرم: ثبت له حكم الحرم. ولكن أصلهم هذا ضعيف، فيرد عليهم بدليله.
والمشهور من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، والجمهور: أنه لا ضمان في صيد المدينة، وشجرها. بل هو حرام بلا ضمان. لأنه ليس بمحل النسك، فأشبه الحمى.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى: يجب فيه الجزاء، كحرم مكة. وبه قال بعض المالكية.
[ ص: 43 ] nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي قول قديم: أنه يسلب القاتل، لحديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص. ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بعد هذا.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: لم يقل بهذا القول أحد بعد الصحابة، إلا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في قوله القديم. انتهى.
قلت: وهو الذي يترجح، وإليه ذهب شارح المنتقى وغيره: من أهل العلم بالحديث. وهو ظاهر قوله: "كما حرم إبراهيم مكة".
(وإني دعوت في صاعها ومدها، بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة ).
وفي رواية أخرى: (مثل ما دعا ).
وسيأتي هذا الدعاء (إن شاء الله تعالى ) بعد ذلك، في حديث آخر.