قالت: فقدمنا المدينة، فوعكت شهرا. فوفى شعري جميمة. فأتتني أم رومان، وأنا على أرجوحة، ومعي صواحبي. فصرخت بي فأتيتها، وما أدري ما تريد بي. فأخذت بيدي، فأوقفتني على الباب، فقلت: هه هه. حتى ذهب نفسي. فأدخلتني بيتا، فإذا نسوة من الأنصار، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر. فأسلمتني إليهن، فغسلن رأسي، وأصلحنني. فلم يرعني إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى. فأسلمنني إليه . ].
(الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ) رضي الله عنها ; (قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين ).
قال العلماء: ناقض داود مذهبه، في شرط الولي في البكر دون الثيب ; لأنه إحداث قول في مسألة مختلف فيها، ولم يسبق إليه. ومذهبه: أنه لا يجوز إحداث مثل هذا.
هذا حاصل كلام النووي.
وأقول: الأحاديث الواردة في اعتبار الولي، قد سردها الحاكم: من طريق ثلاثين صحابيا، وفيها التصريح بالنفي ; كحديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى: عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه ; بلفظ: nindex.php?page=hadith&LINKID=663390 "لا نكاح إلا بولي". فأفاد انتفاء النكاح الشرعي، بانتفاء الولي. وما أفاد هذا المفاد: اقتضى أن ذلك شرط لصحة النكاح. لأن الشرط: ما يلزم من عدمه عدم المشروط. كما تقرر في الأصول.
فالولي شرط من شروط النكاح، التي لا يصح إلا بها، إذا كان موجودا. وإلا فولايته إلى السلطان.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر: إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف في اعتبار الولي.
قال في السيل الجرار: لما أمر الله سبحانه بإنكاح النساء، وقال: وأنكحوا الأيامى . وقال: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن : كان أولياء المرأة، ممن دخل في هذا الخطاب دخولا أوليا، فكانوا أحق بإنكاحها من هذه الحيثية.
فتبين بذلك: أن المراد بما في القرآن: هم خصوص الأولياء. ومعلوم: [ ص: 172 ] أن الأقرب إليها، أخص من الأبعد، من جهة كون ولايته على المرأة، لها مزيد خصوصية بالقرب.
وقد ذهب إلى اعتبار الولي: جمهور السلف والخلف. انتهى.
قال النووي: وأجمع المسلمون، على جواز تزويجه: بنته البكر الصغيرة، لهذا الحديث. "يعني: حديث الباب". وإذا بلغت، فلا خيار لها في فسخه عند مالك، والشافعي، وسائر فقهاء الحجاز.
وقال أهل العراق: لها الخيار إذا بلغت.
أما غير الأب والجد، من الأولياء: فلا يجوز أن يزوجها عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور، nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد، والجمهور.
قالوا: فإن زوجها لم يصح.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة، وآخرون من السلف: يجوز لجميع الأولياء، ويصح. ولها الخيار إذا بلغت. "إلا أبا يوسف" فقال: لا خيار لها.
وجوز شريح، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة، وحماد، له تزويجها قبل البلوغ. وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أيضا.
[ ص: 173 ] قال: إن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وأصحابه، قالوا: يستحب أن لا يزوج الأب والجد: البكر، حتى تبلغ، ويستأذنها، لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة.
وهذا الذي قالوه، لا يخالف حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة. لأن مرادهم: أنه لا يزوجها قبل البلوغ، إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة ; فيستحب تحصيل ذلك الزوج. لأن الأب مأمور بمصلحة ولده، فلا يفوتها.
قال: وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة، والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة: عمل به.
وإن اختلفا، فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين، دون غيرها.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة: حد ذلك: أن تطيق الجماع. ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسن. وهذا هو الصحيح.
وليس في حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة تحديد، ولا منع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع. ولا إذن فيه، لمن لم تطقه وقد بلغت تسعا.
[ ص: 174 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي: وكانت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، قد شبت شبابا حسنا، "رضي الله عنها".
(قالت: فقدمنا المدينة، فوعكت شهرا ). الوعك: ألم الحمى.
(فوفى ). أي: كمل (شعري، جميمة ): تصغير "جمة"، وهي الشعر النازل إلى الأذنين، ونحوهما. أي: صار إلى هذا الحد، بعد أن كان قد ذهب بالمرض.
(فأتتني أم رومان ). هي أم عائشة، وهي بضم الراء وإسكان الواو. وهذا هو المشهور، ولم يذكر الجمهور غيره.
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في "الاستيعاب": ضم الراء وفتحها. ورجح الفتح.
قال النووي: وليس هو براجح.
(وأنا على أرجوحة )، بضم الهمزة: هي خشبة يلعب عليها الصبيان، والجواري الصغار، يكون وسطها على مكان مرتفع، ويجلسون على طرفيها، ويحركونها فيرتفع جانب منها وينزل جانب.
(ومعي صواحبي. فصرخت بي فأتيتها، وما أدري ما تريد بي.
[ ص: 175 ] فأخذت بيدي، فأوقفتني على الباب، فقلت: هه هه )، بفتح الهاء الأولى، وإسكان الهاء الثانية. فهي هاء السكت.
وهذه كلمة، يقولها المبهور، حتى يتراجع إلى حال سكونه.
(حتى ذهب نفسي. فأدخلتني بيتا، فإذا نسوة من الأنصار ) بكسر النون وضمها، لغتان، والكسر أفصح وأشهر.
(فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر ).
الطائر: يطلق على الحظ من الخير والشر. والمراد هنا: على أفضل خير وحظ وبركة.
قال النووي: والمراد: هذه اللعب، المسماة بالبنات، التي تلعب بها الجواري الصغار. ومعناه: التنبيه على صغر سنها.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وفيه جواز اتخاذ اللعب، وإباحة لعب الجواري بهن. وقد جاء في الحديث الآخر: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ذلك، فلم ينكره".