فقال له ثابت: يا أبا حمزة! ما أصدقها ؟ قال نفسها. أعتقها وتزوجها. حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا. فقال "من كان عنده شيء فليجئ به".
قال: وبسط نطعا. قال: فجعل الرجل يجيء بالأقط. وجعل الرجل يجيء بالتمر. وجعل الرجل يجيء بالسمن. فحاسوا حيسا، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ].
(الشرح)
عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه ; (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر. قال: فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس ).
(فركب نبي الله، وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة ).
[ ص: 179 ] فيه: دليل لجواز الإرداف، إذا كانت الدابة مطيقة. وقد كثرت الأحاديث الصحيحة بمثله..
(فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر ).
فيه: دليل لجواز ذلك، وأنه لا يسقط المروءة )، ولا يخل بمراتب أهل الفضل، لاسيما عند الحاجة للقتال، أو رياضة الدابة، أو تدريب النفس، ومعاناة أسباب الشجاعة.
(وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم. وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ).
هذا مما يستدل به أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وغيرهم، ممن يقول: الفخذ ليس بعورة.
ومذهب الشافعية: أنه عورة. وبه قال أصحاب الحديث. وحملوا هذا الحديث: على أن انحسار الإزار وغيره، كان بغير اختياره صلى الله عليه وسلم، فانحسر للزحمة، وإجراء المركوب، ووقع نظر أنس إليه فجأة لا تعمدا. وكذلك مست ركبته الفخذ من غير اختيارهما، بل للزحمة. ولم يقل: إنه تعمد ذلك، ولا أنه حسر الإزار. بل قال: انحسر بنفسه.
(فلما دخل القرية قال: "الله أكبر! خربت خيبر. إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين " ).
(فقال: يا رسول الله! أعطني جارية من السبي. فقال: "اذهب فخذ جارية". فأخذ nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي ).
الصحيح: أن nindex.php?page=showalam&ids=199 "صفية" كان اسمها، قبل السبي.
وقيل: كان اسمها "زينب"، فسميت بعد السبي والاصطفاء: "صفية".
(فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! أعطيت دحية: صفية بنت حيي، سيد قريظة والنضير ؟ ما تصلح إلا لك. قال: "ادعوه بها". قال: فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذ جارية من السبي غيرها" ).
قال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري وغيره: يحتمل ما جرى مع دحية وجهين ;
أحدهما: أن يكون رد الجارية برضاه، وأذن له في غيرها.
والثاني: أنه إنما أذن له في جارية له، من حشو السبي لا أفضلهن. فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه أخذ أنفسهن، وأجودهن نسبا وشرفا في قومها، وجمالا: استرجعها. لأنه لم يأذن فيها. ورأى في إبقائها لدحية مفسدة، لتمييزه مثلها على باقي الجيش. ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها، وكونها بنت سيدهم. ولما يخاف من استعلائها على دحية، بسبب مرتبتها. وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره، [ ص: 182 ] فكان أخذه صلى الله عليه وآله وسلم إياها لنفسه، قاطعا لكل هذه المفاسد المتخوفة. ومع هذا فعوض دحية عنها.
وقوله: "اشتراها"، أي: أعطاه بدلها سبعة أنفس، تطييبا لقلبه، إلا أنه جرى عقد بيع. وعلى هذا تتفق الروايات.
وهذا الإعطاء لدحية: محمول على التنفيل.
فعلى قول من يقول: التنفيل يكون من أصل الغنيمة: لا إشكال فيه.
وعلى قول من يقول: إن التنفيل من خمس الخمس: يكون هذا التنفيل من خمس الخمس بعد أن ميز أو قبله ويحسب منه.
فهذا الذي ذكرناه، هو الصحيح المختار.
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض معنى بعضه، ثم قال: والأولى عندي: أن تكون nindex.php?page=showalam&ids=199 "صفية" فيئا. لأنها كانت زوجة "كنانة بن الربيع"، وهو وأهله من بني أبي الحقيق، كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وشرط عليهم: أن لا يكتموه كنزا. فإن كتموه فلا ذمة لهم. وسألهم عن كنز "حيي بن أخطب" فكتموه، وقالوا أذهبته النفقات. ثم [ ص: 183 ] عثر عليه عندهم، فانتقض عهدهم، فسباهم.
ذكر ذلك أبو عبيد وغيره.
فصفية من سبيهم، فهي فيء لا يخمس. بل يفعل فيه الإمام ما رأى.
فالصحيح الذي اختاره المحققون: أنه أعتقها تبرعا، بلا عوض ولا شرط. ثم تزوجها برضاها، بلا صداق.
وهذا من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم: أنه يجوز نكاحه بلا مهر، لا في الحال ولا فيما بعد. بخلاف غيره.
وقال بعض الشافعية: معناه: أنه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت، فلزمها الوفاء به.
[ ص: 184 ] وقال بعضهم: أعتقها وتزوجها على قيمتها. وكانت مجهولة. ولا يجوز هذا، ولا الذي قبله: لغيره صلى الله عليه وآله وسلم. بل هما من الخصائص، كما قال أصحاب القول الأول..
واختلف أهل العلم، فيمن أعتق أمته على أن تتزوج به، ويكون عتقها صداقها ;
فقال الجمهور: لا يلزمها أن تتزوج به، ولا يصح هذا الشرط. وممن قاله nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة، nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: فإن أعتقها على هذا الشرط فقبلت عتقت، ولا يلزمها أن تتزوجه. بل له عليها قيمتها. لأنه لم يرض بعتقها مجانا. فإن رضيت وتزوجها على مهر يتفقان عليه، فله عليها القيمة ولها عليه المهر المسمى: من قليل أو كثير.
وإن تزوجها على قيمتها، فإن كانت القيمة معلومة له ولها: صح الصداق ولا تبقى له عليها قيمة، ولا لها عليه صداق.
وإن كانت مجهولة، ففيه وجهان للشافعية ;
أحدهما: يصح الصداق. كما لو كانت معلومة. لأن هذا العقد، فيه ضرب من المسامحة، والتخفيف. [ ص: 185 ] وأصحهما، وبه قال الجمهور: لا يصح الصداق. بل يصح النكاح ويجب لها مهر المثل.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي، nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، وإسحاق: يجوز أن يعتقها على أن تتزوج به، ويكون عتقها صداقها، ويلزمها ذلك، ويصح الصداق على ظاهر لفظ هذا الحديث.
وتأوله الآخرون مما سبق.
هذا آخر كلام النووي "رحمه الله تعالى".
وأقول: دعوى الاختصاص تفتقر إلى دليل. والظاهر: أنه يصح أن يجعل العتق صداق المعتقة. والدليل قد ورد بهذا.
ومجرد الاستبعاد: لا يصلح لإبطال ما صح من الأدلة. والأقيسة مطرحة في مقابلة النصوص الصحيحة. وليس بيد المانع برهان.
وقد نسب القول بالجواز: ابن القيم "في الهدي": إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب، nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري، وأبي سلمة.
[ ص: 186 ] قال: وهو الصحيح الموافق للسنة، وأقوال الصحابة، والقياس. وأطال البحث في المقام، بما لا مزيد عليه، فليراجع.
(حتى إذا كان بالطريق، جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا ).
وجعلها في مدة الاستبراء، في بيت أم سليم. فلما انقضى الاستبراء، جهزتها أم سليم وهيأتها: أي: زينتها وجملتها "على عادة العروس" ; ما ليس بمنهي عنه: من وشم، ووصل، وغير ذلك.
وفي الكلام تقديم وتأخير. ومعناه: اعتدت. أي: استبرأت، ثم هيأتها، ثم أهدتها. والواو لا تقتضي ترتيبها.
[ ص: 187 ] وفيه: الزفاف بالليل. وقد سبق في حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة: زفافها نهارا. وذكرنا هناك: جواز الأمرين. (فقال: "من كان عنده شيء فليجئني به".