وقال النووي : (باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام) . انتهى.
قال أهل اللغة: الإحداد والحداد: مشتق من الحد وهو المنع. لأنها تمنع الزينة والطيب. يقال: أحدت المرأة تحد إحدادا. وحدت تحد بضم الحاء. وتحد بكسرها حدا. كذا قال الجمهور: إنه يقال: أحدت، وحدت.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي: لا يقال إلا أحدت، رباعيا. ويقال: امرأة حاد.
ولا يقال: حادة. وأما الإحداد في الشرع: فهو ترك الطيب والزينة.
حديث الباب
وهو بصحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم \ النووي ص 111 جـ 10 المطبعة المصرية
(عن حميد بن نافع، عن nindex.php?page=showalam&ids=170زينب بنت أبي سلمة، أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة، قال: قالت زينب: دخلت على nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة "زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، حين توفي أبوها "أبو سفيان"، فدعت nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة بطيب فيه صفرة: خلوق، أو غيره.) برفع "خلوق" ورفع "غيره".
والخلوق "بفتح الخاء": هو طيب مخلوط.
(فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها) هما جانبا الوجه، فوق الذقن إلى ما دون الأذن.
(ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة) إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها، لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر.
(غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول على المنبر:
"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج: أربعة أشهر وعشرا") .
[ ص: 403 ] فيه: دليل على وجوب الإحداد على المعتدة، من وفاة زوجها. قال النووي : وهو مجمع عليه، في الجملة، وإن اختلفوا في تفصيله. فيجب على كل معتدة عن وفاة; "سواء المدخول بها وغيرها، والصغيرة والكبيرة، والبكر والثيب، والحرة والأمة، والمسلمة والكافرة".
قال: وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجمهور.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وغيره، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور، وبعض المالكية: لا يجب على الزوجة الكتابية، بل يختص بالمسلمة. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله"، فخصه بالمؤمنة.
ودليل الجمهور: أن المؤمن، هو الذي يستثمر خطاب الشارع، وينتفع به، وينقاد له، فلهذا قيد به. انتهى.
وأجابوا أيضا: بأنه ذكر للمبالغة في الزجر، فلا مفهوم له. ورجحه ابن دقيق العيد.
وقد أجاب ابن القيم "في الهدي"، عن هذا التقييد: بما فيه كفاية. فراجعه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : واستفيد وجوب الإحداد في المتوفى عنها، من اتفاق العلماء على حمل هذا الحديث على ذلك، مع أنه ليس في لفظه ما يدل. على الوجوب. ولكن اتفقوا على حمله على الوجوب، مع قوله صلى الله [ ص: 404 ] عليه وآله وسلم في الحديث الآخر: حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=62أم عطية في الكحل والطيب واللباس، ومنعها منه. انتهى.
والحق: الاقتصار على مورد النص، عملا بالبراءة الأصلية فيما عداه. فمن ادعى: وجوب الإحداد على غير المتوفى عنها، فعليه الدليل.
وأما المطلقة قبل الدخول; فقال في الفتح: فلا إحداد عليها اتفاقا.
وقوله: "فوق ثلاث": فيه دليل على جواز الإحداد "على غير الزوج من قريب ونحوه": ثلاث ليال فما دونها، وتحريمه فيما زاد عليها. وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها، وغلبة الطباع البشرية. [ ص: 405 ] وأما قوله: "أربعة أشهر وعشرا"، فقال النووي (رحمه الله) : المراد به: عشرة أيام بلياليها. قال: هذا مذهبنا، ومذهب الجمهور كافة. ولا تحل حتى تدخل ليلة الحادي عشر. وهذا التقييد خرج على غالب المعتدات: أنها تعتد بالأشهر. أما إذا كانت حاملا، فعدتها بالحمل; ويلزمها: الإحداد في جميع العدة، حتى تضع. "سواء قصرت المدة أم طالت". فلا إحداد بعده. وقال بعض العلماء: لا يلزمها بعده وإن لم تضع الحمل. انتهى.
والحكمة في وجوب الإحداد بقدر تلك المدة: أنها تكمل خلقة الولد، وينفخ فيه الروح: بعد مضي مائة وعشرين يوما، وهي زيادة على أربعة أشهر، لنقصان الأهلة. فجبر الكسر إلى العقد، على طريق الاحتياط.
وقال النووي : الحكمة في وجوب الإحداد في عدة الوفاة، دون الطلاق: أن الزينة والطيب يدعوان إلى النكاح، ويوقعان فيه. فنهيت عنه، ليكون الامتناع من ذلك زاجرا عن النكاح. لكون الزوج [ ص: 406 ] ميتا لا يمنع معتدته من النكاح، ولا يراعيه ناكحها ولا يخاف منه. بخلاف المطلق الحي، فإنه يستغنى بوجوده عن زاجر آخر. ولهذه العلة: وجبت العدة على كل متوفى عنها، وإن لم تكن مدخولا بها. بخلاف الطلاق. فاستظهر للميت: بوجوب العدة. وجعلت أربعة أشهر وعشرا: لأن الأربعة فيها ينفخ الروح في الولد إن كان، والعشر احتياط. وفي هذه المدة يتحرك الولد في البطن.
قال: وقالوا: ولم يوكل ذلك إلى أمانة النساء، ويجعل بالأقراء كالطلاق: لما ذكرناه من الاحتياط للميت.
قال: ولما كانت الصغيرة من الزوجات نادرة: ألحقت بالغالب في حكم وجوب العدة، والإحداد. والله أعلم.
(قالت زينب: ثم دخلت على nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش، حين توفي أخوها فدعت بطيب، فمست منه. ثم قالت: والله ! ما لي بالطيب من حاجة. غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر: تحد على ميت فوق [ ص: 407 ] ثلاث، إلا على زوج: أربعة أشهر وعشرا. قالت زينب: سمعت أمي nindex.php?page=showalam&ids=54 (أم سلمة) رضي الله عنها تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله ! إن ابنتي توفي عنها زوجها. وقد اشتكت عينها) . وفي بعض الأصول: "عيناها" بالألف. (أفنكحلها؟) بضم الحاء. (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا" مرتين أو ثلاثا. كل ذلك يقول: "لا".
وفي هذا: دليل على تحريم الاكتحال على الحادة، سواء احتاجت إليه أم لا. وجاء في الحديث الآخر، في الموطأ وغيره، في حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة: "اجعليه بالليل، وامسحيه بالنهار".
قال النووي : ووجه الجمع بين الأحاديث: أنها إذا لم تحتج إليه: لا يحل لها. وإن احتاجت: لم يجز بالنهار، ويجوز بالليل. مع أن الأولى تركه. فإن فعلته: مسحته بالنهار. فحديث الإذن فيه، لبيان: أنه بالليل للحاجة غير حرام. وحديث النهي: محمول على عدم الحاجة. وحديث التي اشتكت عينها فنهاها: محمول على أنه نهي تنزيه. وتأوله بعضهم، على أنه: لم يتحقق الخوف على عينها. انتهى. ومثله في النيل، نقلا عن الفتح. وزاد: وتعقب: بأن في حديث آخر: [ ص: 408 ] (فخشوا على عينها) . وفي رواية لابن منده: (وقد خشيت على بصرها) .
ولهذا; قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: بمنعه مطلقا. وعنه في رواية أخرى: يجوز إذا خافت على عينها: بكحل لا طيب فيه.
قال النووي : وجوزه بعضهم عند الحاجة، وإن كان فيه طيب.
قال: ومذهبنا: جوازه ليلا عند الحاجة، مما لا طيب فيه. انتهى.
(ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشر. قد كانت إحداكن في الجاهلية:
ترمي بالبعرة على رأس الحول) . أي: لا تستكثرن العدة ومنع الاكتحال فيها، فإنها مدة قليلة. وقد خففت عنكن، وصارت أربعة أشهر وعشرا، بعد أن كانت سنة. وفي هذا: تصريح بنسخ الاعتداد "سنة"، المذكور في سورة البقرة، في الآية الثانية.
وأما رميها بالبعرة: فقد فسره في الحديث، حيث (قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب:
كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها: دخلت حفشا بكسر الحاء وإسكان الفاء. أي: بيتا صغيرا حقيرا، قريب السمك، (ولبست شر ثيابها) . [ ص: 409 ] وفي حديث آخر: (شر أحلاسها) بفتح الهمزة. جمع "حلس" بكسر الحاء.
والمراد: شر ثيابها. فالحلس: الثوب، أو الكساء الرقيق، يكون تحت البرذعة.
(ولم تمس طيبا ولا شيئا، حتى تمر بها سنة. ثم تؤتى بدابة: حمار، أو شاة، أو طير. فتفتض به) . هكذا هو في جميع النسخ: بالفاء والضاد.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن معنى "الافتضاض"؟ فذكروا: أن المعتدة، كانت لا تغتسل، ولا تمس ماء، ولا تقلم ظفرا. ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض، أي: تكسر ما هي فيه من العدة، بطائر تمسح به قبلها وتنبذه، فلا يكاد يعيش ما تفتض به.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: معناه: تمسح به جلدها، وفي النهاية "فرجها". وقال ابن وهب: معناه: تمسح بيدها عليه، أو على ظهره.
وقيل: معناه: تمسح به، ثم تفتض. أي: تغتسل. والافتضاض: الاغتسال بالماء العذب، للإنقاء وإزالة الوسخ، حتى تصير بيضاء نقية، كالفضة.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13673الأخفش: معناه: تتنظف وتتنقى من الدرن. تشبيها لها بالفضة في نقائها وبياضها. [ ص: 410 ] وذكر الهروي: أن الأزهري قال: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: "تقبص" بالقاف والصاد والباء. مأخوذ من: القبص. وهو القبض، والأخذ بأطراف الأصابع والأنامل. قال الأصبهاني، nindex.php?page=showalam&ids=12569وابن الأثير: هو كناية عن الإسراع. أي: تذهب بسرعة إلى منزل أبويها، لكثرة جفائها بقبح منظرها. أو لشدة شوقها إلى الأزواج لبعد عهدها.
(فقلما تفتض بشيء إلا مات. ثم تخرج فتعطى بعرة، فترمي بها، ثم تراجع بعد: ما شاءت من طيب، أو غيره .
وقال بعض العلماء: معناه: أنها رمت بالعدة، وخرجت منها، كانفصالها من هذه البعرة.
وقال بعضهم: هو إشارة إلى أن الذي فعلته، وصبرت عليه، من الاعتداد سنة، ولبسها شر ثيابها، ولزومها بيتا صغيرا: هين بالنسبة إلى حق الزوج، وما يستحقه من المراعاة: كما يهون الرمي بالبعرة.
قال في النيل: وعن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الإبل، ترمي بها أمامها، فيكون ذلك إحلالا لها.
قال: وظاهر رواية الباب في الرواية الأخرى، الواردة في هذا [ ص: 411 ] الباب: أن رميها بالبعرة، يتوقف على مرور الكلب، سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر. وبه جزم بعض الشراح.
وقيل: ترمي بها: من عرض; من كلب أو غيره. تري من حضرها:
أن مقامها حولا: أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبا. أو غيره. وقيل: بل ترميها على سبيل التفاؤل، لعدم عودها، إلى مثل ذلك.