وسمي لعانا: لقول الزوج: عليه لعنة الله، إن كان من الكاذبين.
باب في الذي يجد مع امرأته رجلا
وقال النووي : (كتاب اللعان) .
وقال: اختير لفظ "اللعن" على لفظ الغضب، وإن كانا موجودين في الآية الكريمة، وفي صورة اللعان: لأن لفظ اللعنة، متقدم في الآية الكريمة، وفي صورة اللعان. ولأن جانب الرجل فيه: أقوى من جانبها، لأنه قادر على الابتداء باللعان دونها. ولأنه قد ينفك لعانه عن لعانها ولا ينعكس. وقيل: سمي لعانا (من اللعن، وهو الطرد والإبعاد) : لأن [ ص: 415 ] كلا منهما يبعد عن صاحبه، ويحرم النكاح بينهما على التأبيد، بخلاف المطلق وغيره.
حديث الباب
وهو بصحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم \ النووي ص 119 - 120 جـ 10 المطبعة المصرية
(عن nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه: أن عويمرا العجلاني، جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: أرأيت، يا عاصم!) أي: أخبرني، عن حكم من وقع له ذلك.
(لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فسل لي عن ذلك، يا عاصم ! رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المسائل وعابها.
قال العلماء: أما إذا كانت المسائل مما يحتاج إليه في أمور الدين، وقد وقع: فلا كراهة فيها. وليس هو المراد في الحديث.
وقد كان المسلمون: يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأحكام الواقعة، فيجيبهم ولا يكرهها.
[ ص: 417 ] وإنما كان سؤال عاصم في هذا الحديث، عن قصة لم تقع بعد، ولم يحتج إليها. وفيها شناعة على المسلمين والمسلمات، وتسليط اليهود والمنافقين ونحوهم: على الكلام في أعراض المسلمين، وفي الإسلام. ولأن من المسائل: ما يقتضي جوابه تضييقا.
(حتى كبر على عاصم: ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلما رجع عاصم إلى أهله، جاءه عويمر فقال: يا عاصم ! ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير. قد كره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المسألة التي سألته عنها. قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها. فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسط الناس، فقال: يا رسول الله ! أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟
معناه: إذا وجد رجلا مع امرأته، وتحقق أنه زنى بها. فإن قتله:
وأما فيما بينه وبين الله: فإن كان صادقا فلا شيء عليه.
وقال بعض الشافعية: يجب على كل من قتل زانيا محصنا: القصاص; ما لم يأمر السلطان بقتله.
قال النووي : والصواب: الأول. وجاء عن بعض السلف تصديقه:
في أنه زنى بامرأته، وقتله بذلك. انتهى.
وشرط nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، وإسحاق، ومن تبعهما: أن يأتي بشاهدين: أنه قتله بسبب ذلك. ووافقهما ابن القاسم، nindex.php?page=showalam&ids=13056وابن حبيب، من المالكية: لكن زاد أن يكون المقتول محصنا.
وقال بعض السلف: لا يقتل أصلا، ويعذر فيما فعله: إذا ظهرت أمارات صدقه. والله أعلم.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قد نزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فائت بها". قال سهل: فتلاعنا.
[ ص: 419 ] هذا الكلام فيه حذف. ومعناه: أنه سأل، وقذف امرأته، فأنكرت الزنا، وأصر كل واحد منهما على قوله، ثم تلاعنا.
(وأنا مع الناس، عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) .
قال الحافظ: والذي تحرر لي: أنها من حيث الجزم بنفي الكذب وإثبات الصدق: يمين. لكن أطلق عليها: شهادة: لاشتراط: أن لا يكتفى في ذلك بالظن. بل لا بد من وجود علم كل منهما بالأمرين، علما يصح معه: أن يشهد. انتهى.
قال العلماء: وليس من الأيمان شيء متعدد: إلا اللعان، والقسامة.
ولا يمين في جانب المدعي، إلا فيهما. والله أعلم.
(فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله ! إن أمسكتها: فطلقها ثلاثا، قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين) .
واختلف العلماء في الفرقة باللعان; فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، والجمهور: تقع الفرقة بين الزوجين، بنفس التلاعن، ويحرم عليه نكاحها على التأبيد، لهذه الأحاديث.
لكن قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وبعض المالكية: تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده، ولا تتوقف على لعان الزوجة.
وقال بعض المالكية: تتوقف على لعانها.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: لا تحصل الفرقة، إلا بقضاء القاضي بها بعد التلاعن، لقوله: ثم فرق بينهما.
وقال الجمهور: لا تفتقر إلى قضاء القاضي، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا سبيل لك عليها". والرواية الأخرى: "ففارقها".
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث: لا أثر للعان في الفرقة، ولا يحصل به فراق أصلا. واختلف القائلون بتأبيد التحريم، فيما إذا كذب بعد ذلك نفسه. فقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: تحل له. لزوال المعنى المحرم.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، وغيرهما: لا تحل له أبدا. لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا سبيل لك عليها ". والله أعلم.
وأما قوله: (كذبت عليها، إن أمسكتها) : فهو كلام تام مستقل.
[ ص: 422 ] ثم ابتدأ فقال: (هي طالق ثلاثا) . تصديقا لقوله: في أنه لا يمسكها.
وإنما طلقها، لأنه ظن: أن اللعان لا يحرمها عليه. فأراد: تحريمها بالطلاق، فقال: هي طالق: ثلاثا. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا سبيل لك عليها"، أي: لا ملك لك عليها. فلا يقع طلاقك. وهذا دليل: على أن الفرقة تحصل بنفس اللعان.
واستدل به الشافعية: على أن جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد: ليس حراما. وموضع الدلالة: أنه لم ينكر عليه: إطلاق لفظ "الثلاث".
وقد يعترض على هذا فيقال: إنما لم ينكر عليه: لأنه لم يصادف الطلاق محلا مملوكا له، ولا نفوذا.
ويجاب: بأنه لو كان الثلاث محرما: لأنكر عليه، وقال له: كيف ترسل لفظ الطلاق الثلاث مع أنه حرام؟. والله أعلم.
وقال ابن نافع من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: إنما طلقها ثلاثا بعد اللعان: لأنه يستحب: إظهار الطلاق بعد اللعان. مع أنه: قد حصلت الفرقة بنفس اللعان.
وهذا فاسد. وكيف يستحب للإنسان: أن يطلق من صارت أجنبية؟
[ ص: 423 ] وقال محمد بن أبي صفرة المالكي: لا تحصل الفرقة بنفس اللعان. واحتج: بطلاق عويمر. وبقوله: إن أمسكتها. وتأوله الجمهور كما سبق.