وعن المالكية: يجب به الحد، إذا كانوا يفهمونها. وأجابوا عن حديث الباب: بأنه لا حجة فيه، لأن الرجل لم يرد قذفا، بل جاء سائلا مستفتيا: عن الحكم مما وقع له من الريبة. فلما ضرب له المثل أذعن.
وقال المهلب: التعريض إذا كان على سبيل السؤال: لا حد فيه.
وإنما يجب إذا كان على سبيل المواجهة.
وقال ابن المنير: الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض: أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة. والزوج يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب.
[ ص: 442 ] فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "هل لك من إبل؟" قال: نعم. قال: "ما ألوانها؟" قال: حمر. قال: "فهل فيها من أورق؟".
قال النووي : هو الذي فيه سواد، ليس بصاف. ومنه: قيل للرماد: "أورق" وللحمامة: "ورقاء"، وجمعه: "ورق"، بضم الواو وإسكان الراء.
كأحمر وحمر.
وقال في النيل: "أورق" هو الذي يميل إلى الغبرة.
(قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فأنى هو؟")
وفي رواية: "فأنى ذلك؟"، بفتح النون الثقيلة. أي: من أين أتاها اللون، الذي خالفها؟ هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها، أو لأمر آخر؟
(قال: لعله، يا رسول الله ! يكون نزعه عرق له) .
المراد بالعرق هنا: الأصل من النسب، تشبيها بعرق الشجرة. ومنه: قولهم: "فلان" معرق في النسب والحسب. وفي اللؤم والكرم.
ومعنى "نزعه": أشبهه، واجتذبه إليه، وأظهر لونه عليه.
وأصل النزع: الجذب. فكأنه جذبه إليه، لشبهه. يقال منه:
نزع الولد لأبيه. وإلى أبيه. ونزعه أبوه. ونزعه إليه. [ ص: 443 ] (فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وهذا، لعله أن يكون نزعه عرق له") وهو: ضرب مثل لتعريف السائل، وتوضيح للبيان: بتشبيه المجهول بالمعلوم. وهو من قياس التشبيه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي: فيه: دليل على صحة القياس، والاعتبار بالنظير. وتوقف فيه "ابن دقيق العيد"، فقال: هو تشبيه بأمر وجودي. والنزاع: إنما هو في التشبيه في الأحكام الشرعية، من طريق واحدة قوية.
وقال النووي : فيه: إثبات القياس، والاعتبار بالأشباه، وضرب الأمثال.
وفيه: الاحتياط للأنساب، وإلحاقها بمجرد الإمكان.
قال: وفي هذا الحديث: أن الولد يلحق الزوج، وإن خالف لونه لونه، حتى لو كان الأب أبيض والولد أسود، أو عكسه: لحقه. ولا يحل نفيه بمجرد المخالفة في اللون. وكذا لو كان الزوجان أبيضين، فجاء الولد أسود أو عكسه. لاحتمال: أنه نزعه عرق من أسلافه. انتهى.
وقد حكى nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي، وابن رشد: الإجماع على ذلك. وتعقبهما [ ص: 444 ] الحافظ: بأن الخلاف في ذلك: ثابت عند الشافعية. فقالوا: إن لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا: لم يجز النفي. فإن اتهمها، فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به: جاز النفي على الصحيح عندهم.