"عن يزيد الفقير": وهو يزيد بن صهيب الكوفي. ثم المكي أبو عثمان.
قيل له "الفقير" لأنه أصيب في فقار ظهره، فكان يألم منه حتى ينحني له:
"قال: كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج" هكذا في الأصول "بالغين المعجمة".
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض "بالعين المهملة"، وهما متقاربان. ومعناه: لصق بشغاف قلبي؛ وهو "غلافه".
ورأي الخوارج، هو: أنهم يرون أن أصحاب الكبائر يخلدون في النار؛ ولا يخرج منها من دخلها.
"فخرجنا في عصابة ذوي عدد" أي: خرجنا من بلادنا. ونحن جماعة كثيرة "نريد أن نحج ثم نخرج على الناس" مظهرين مذهب الخروج، وندعو إليه، ونحث عليه.
"قال: فمررنا على المدينة" المنورة "فإذا nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله، يحدث القوم، جالس إلى سارية" من سواري المسجد، "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا هو قد ذكر الجهميين؛ قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول [ ص: 377 ] إنك من تدخل النار فقد أخزيته .
فما هذا الذي تقولون؟ قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم.
قال: فهل سمعت بمقام محمد "عليه السلام؟" يعني: الذي يبعثه الله فيه.
قلت: نعم.
قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود، الذي يخرج الله به من يخرج.
وما أحسن هذا الجواب من nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ليزيد! فقد أجاب عن القرآن بالقرآن، واستدل على الخصم بالقرآن، الذي جاء به على إثبات مذهبه.
قال: ثم نعت وضع الصراط، ومر الناس عليه. قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك. غير أنه. قد زعم أن قوما يخرجون من النار.
زعم هنا بمعنى "قال".
"بعد أن يكونوا فيها. قال: يعني: فيخرجون كأنهم عيدان السماسم" بفتح السين الأولى وكسر الثانية. جمع "سمسم"، وهو هذا المعروف الذي يستخرج منه الشيرج.
[ ص: 378 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير: معناه، والله أعلم: أن السماسم جمع "سمسم" وعيدانه، تراها إذا قلعت، وتركت، في الشمس ليؤخذ حبها دقاقا سودا، كأنها محترقة فشبه بها هؤلاء.
قال: وطالما طلبت "هذه اللفظة" وسألت عنها، فلم أجد فيها شافيا.
قال: فما أشبه أن تكون اللفظة محرفة، وربما كانت "عيدان الساسم" وهو خشب أسود كالأبنوس، انتهى.
"والساسيم" بحذف الميم. كذا قاله الجوهري، وغيره.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: لا يعرف معنى "السماسم" هنا. قال: ولعله "الساسم" وهو أشبه. وهو "عود أسود". وقيل: هو "الأبنوس". وقال بعضهم "السماسم" كل نبت ضعيف "كالسمسم" والكزبرة.
وقال آخرون: لعله "أساسم" وهو "الأبنوس" شبههم به في سواده.
فهذا مختصر ما قالوه فيه. والمختار أنه "السمسم" على ما بينه nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير وفي كثير من الأصول "كأنها" وفي معظمها "كأنهم".
وعلى الأول: الضمير عائد على "الصور"، أي: كأن صورهم عيدان السماسم.
"قال: فيدخلون نهرا من أنهار الجنة، فيغتسلون فيه. فيخرجون كأنهم القراطيس" جمع "قرطاس" بكسر القاف، وضمها "لغتان" وهو الصحيفة؛ التي يكتب فيها. شبههم بها لشدة بياضهم، بعد اغتسالهم، وزوال ما كان عليهم من السواد، والله أعلم.
[ ص: 379 ] "فرجعنا قلنا: ويحكم؟ أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
يعني "بالشيخ": nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وهو استفهام إنكار، وجحد. أي لا يظن به الكذب بلا شك. فإن الصحابة كلهم عدول، ولله در يزيد الفقير. ما أقربه لقبول الحق!
"فرجعنا: فلا والله! ما خرج منا غير رجل واحد" يعني: رجعنا من حجنا، ولم نتعرض لرأي الخوارج، بل كففنا عنه، وتبنا منه، إلا رجلا منا، فإنه لم يوافقنا في الانكفاف عنه.
"أو كما قال أبو نعيم": المراد به nindex.php?page=showalam&ids=12180 "الفضل بن دكين"، بضم الدال في أول الإسناد، وهو شيخ شيخ nindex.php?page=showalam&ids=17080 "مسلم".
وهذا الذي فعله، أدب معروف، من آداب "الرواة"، وهو أنه ينبغي للراوي إذا روى بالمعنى أن يقول عقب روايته: "أو كما قال، احتياطا وخوفا من تغيير حصل.