وقال بعضهم: إنه على كراهة التنزيه، بمجرد الدعوى. انتهى.
قلت: وكذا القول بنسخه: دعوى مجردة عن الدليل. قال في الفتح: لأنها إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ، ولم ينقل ذلك.
وأيضا استظهروا على الجواز: بالقياس، على توكيل البادي للحاضر. فإنه جائز. ولكن هذا القياس فاسد الاعتبار. لمصادمة النص. على أن أحاديث الباب، أخص من الأدلة القاضية بجواز التوكيل مطلقا.
[ ص: 20 ] فيبنى العام على الخاص. "والنصيحة": لا تنحصر في هذا البيع. لأنه يمكن أن يعرفه، أن قيمتها: كذا. ونحوه. فيجمع بذلك بين المصلحتين. انتهى.
قلت: قد عرفت: أن أحاديث النصيحة أعم مطلقا، من الأحاديث القاضية بتحريم أنواع من البيع. فيبنى العام على الخاص، كما تقدم.
وبالجملة؛ أحاديث الباب، تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي. من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا له، أو أجنبيا. وسواء كان في زمن الغلاء أو لا. وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا. وسواء باعه له على التدريج، أم دفعة واحدة.
وللفقهاء تفاريع في ذلك كثيرة، ولكنه لا يخفى: أن تخصيص العموم بمثلها: من التخصيص بمجرد الاستنباط.
وقد ذكر ابن دقيق العيد، فيه تفصيلا؛
حاصله: أنه يجوز التخصيص به، حيث يظهر المعنى. لا حيث يكون خفيا. فاتباع اللفظ أولى. ولكنه لا يطمئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا. فالبقاء على ظواهر النصوص هو الأولى. فيكون بيع الحاضر للبادي محرما على العموم. وسواء كان بأجرة أم لا. والله أعلم.