(عن أبي هريرة ) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مطل الغني ظلم" ) .
فيه: إضافة المصدر إلى الفاعل، عند الجمهور
والمعنى: أنه يحرم على الغني القادر: أن يمطل صاحب الدين، بخلاف العاجز.
وقيل: هو من باب إضافة المصدر إلى المفعول. أي: يجب على المستدين: أن يوفي صاحب الدين، ولو كان المستحق للدين غنيا، فإن مطله ظلم. فكيف إذا كان فقيرا ؟ فإنه يكون ظلما بالأولى.
[ ص: 81 ] ولا يخفى بعد هذا. كما قال الحافظ، والشوكاني.
والمطل في الأصل: "المد".
وقال الأزهري: المدافعة.
قال في الفتح: المراد هنا: تأخير ما استحق أداؤه، بغير عذر. انتهى.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض وغيره: مطل الغني، ظلم وحرام. ومطل غير الغني، ليس بظلم ولا حرام. لمفهوم الحديث، ولأنه معذور.
ولو كان غنيا، ولكنه ليس متمكنا من الأداء، لغيبة المال، أو لغير ذلك: جاز له التأخير إلى الإمكان. وهذا مخصوص من مطل الغني.
أو يقال: المراد بالغني: المتمكن من الأداء، فلا يدخل هذا فيه.
واختلفوا: هل يفسق بمرة، أو يشترط التكرار ؟ وهل يعتبر الطلب من المستحق، أم لا ؟
قال في الفتح: وهل يتصف بالمطل: من ليس القدر الذي عليه حاضرا عنده، لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا ؟
أطلق أكثر الشافعية: عدم الوجوب.
[ ص: 82 ] وصرح بعضهم: بالوجوب مطلقا.
وفصل آخرون؛ بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصي به فيجب. وإلا فلا. انتهى.
قال في النيل: والظاهر الأول، لأن القادر على التكسب ليس بمليء. والوجوب: إنما هو عليه فقط. لأن تعليق الحكم بالوصف، مشعر بالعلية. انتهى.
قال بعضهم: وفي هذا الحديث: دلالة لمذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، والجمهور: أن المعسر لا يحل حبسه، ولا ملازمته، ولا مطالبته، حتى يوسر.
(وإذا أتبع أحدكم على مليء ) قيل: هو بالهمز.
وقيل: بغير همز؛ ويدل على ذلك قول الكرماني: "الملي كالغني، لفظا ومعنى".
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: إنه في الأصل "بالهمز". ومن رواه بتركها، فقد سهله.
(فليتبع ) بإسكان التاء فيهما. مثل "أخرج فليخرج". هذا هو الصواب، المشهور في الروايات، والمعروف في كتب اللغة، وكتب غريب الحديث.
ونقل nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض وغيره، عن بعض المحدثين: أنه يشددها في الكلمة الثانية.
[ ص: 83 ] والصواب: الأول. قاله النووي.
وأقول: يعني: أتبع بضم الهمزة وسكون التاء، على البناء للمجهول. قال nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي: عند الجميع. وأما "فليتبع" فالأكثر: على التخفيف.
قال النووي: ومعناه: إذا أحيل بالدين الذي له على موسر، فليحتل. يقال منه: تبعت الرجل لحقي، أتبعه تباعة، فأنا تبع: إذا طلبته. قال تعالى: ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا .
وقبول هذا: مستحب عند الجمهور. لأنهم حملوا الحديث على الندب. انتهى.
قال الحافظ: ووهم من نقل فيه الإجماع. انتهى.
قال النووي: وقيل: مباح، لا مندوب.
وقيل: واجب، لظاهر الأمر. وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري، وغيره. انتهى.
قلت: وإليه ذهب أكثر الحنابلة، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير. وهو الموافق لظاهر لفظ الحديث. والله أعلم.