قال النووي : وهذا محمول على الحلف باستحلاف القاضي. فإذا ادعى رجل على رجل حقا فحلفه القاضي فحلف ، وورى فنوى غير ما نوى القاضي : انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ، ولا تنفعه التورية.
قال : وهذا مجمع عليه. ودليله : هذا الحديث ، والإجماع.
فأما إذا حلف بغير استحلاف القاضي ، وورى تنفعه التورية ، ولا يحنث. سواء حلف ابتداء من غير تحليف ، أو حلفه غير القاضي وغير نائبه في ذلك. ولا اعتبار بنية المستحلف غير القاضي.
وحاصله : أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال ، إلا إذا [ ص: 249 ] استحلفه القاضي أو نائبه ، في دعوى توجهت عليه. فتكون على نية المستحلف. وهو مراد الحديث.
أما إذا حلف عند القاضي ، من غير استحلاف القاضي ، في دعوى : فالاعتبار بنية الحالف. وسواء في هذا كله : اليمين بالله تعالى ، أو بالطلاق ، أو العتاق. إلا أنه إذا حلفه القاضي بالطلاق ، أو بالعتاق : تنفعه التورية. ويكون الاعتبار بنية الحالف. لأن القاضي ليس له التحليف بالطلاق والعتاق ، وإنما يستحلف بالله تعالى.
واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها ، فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق مستحق. وهذا مجمع عليه.
قال : وهذا تفصيل مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه. ونقل nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه في ذلك : اختلافا.
قلت : وفي حديث آخر عنه ، عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : " يمينك على ما يصدق به صاحبك". وفيه دليل : على أن الاعتبار بقصد المحلف ؛ من غير فرق بين أن يكون المحلف هو الحاكم ، أو الغريم. وبين أن يكون المحلف ظالما ، أو مظلوما. صادقا ، أو كاذبا.
وقيل : هو مقيد بصدق المحلف فيما ادعاه. أما لو كان كاذبا ، كان [ ص: 250 ] الاعتبار بنية الحالف. فما ذهب الشافعية إلى تخصيص الحديث ، بكون المحلف هو الحاكم كما تقدم : فلفظ "صاحبك " في هذا الحديث : يرد عليهم. وكذلك حديث الباب.
قال القاضي : ولا خلاف في إثم الحالف بما يقطع به حق غيره ، وإن ورى. وحكى الإجماع على أن الحالف من غير استحلاف ، ومن غير تعلق حق بيمينه : له نيته ، ويقبل قوله. وأما إذا كان لغيره حق عليه ، فلا خلاف : أنه يحكم عليه بظاهر يمينه ، سواء حلف متبرعا ، أو باستحلاف. انتهى.
قال في النيل : وإذا صح الإجماع ، على خلاف ما يقضي به ظاهر الحديث : كان الاعتماد عليه. ويمكن التمسك لذلك : بحديث سويد بن حنظلة ، فإن "النبي صلى الله عليه وآله وسلم " : حكم له بالبر في يمينه ، مع أنه لا يكون بارا ، إلا باعتبار نية نفسه. لأنه قصد الأخوة المجازية. والمستحلف له : قصد الأخوة الحقيقية. قال : ولعل هذا هو مستند الإجماع. انتهى.