قال: فلبثنا ما شاء الله. ثم أتي بإبل فأمر لنا بثلاث ذود غر الذرى.
فلما انطلقنا قلنا (أو قال بعضنا لبعض ) : لا يبارك الله لنا. أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله، فحلف: أن لا يحملنا، ثم حملنا. فأتوه فأخبروه، فقال: "ما أنا حملتكم، ولكن الله حملكم، وإني والله! إن شاء الله، لا أحلف على يمين ثم أرى خيرا منها، إلا كفرت عن يميني؛ وأتيت الذي هو خير" .]
[ ص: 259 ] (الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ) رضي الله عنه : (قال : أتيت النبي صلى الله عليه وآله (وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله (. أي : نطلب منه ما يحملنا من الإبل ، ويحمل أثقالنا. (فقال : " والله ! ما أحملكم . وما عندي ما أحملكم عليه ". قال : فلبثنا ما شاء الله. ثم أتي بإبل ، فأمر لنا بثلاث ذود غر الذرى ) .
وفي رواية : " بخمس ذود ".
وفي أخرى : "بقع الذرى".
" والذرى " : بضم الذال وكسرها ، وفتح الراء : جمع "ذروة " : بكسر الذال وضمها. وذروة كل شيء : أعلاه. والمراد هنا : " الأسنمة ".
"والغر" : هي البيض. وكذلك " البقع". وأصلها : ما كان فيه بياض وسواد.
والمعنى : أمر لنا بإبل بيض الأسنمة.
ولفظ (ثلاث ذود ) : من إضافة الشيء إلى نفسه. وقد يحتج به : من يطلق " الذود " : على الواحد.
[ ص: 260 ] وليس في ذكر الثلاث : نفي للخمس ، حتى يتصور المنافاة بينهما.
والزيادة مقبولة.
وفي رواية : " بثلاثة ذود ". وهو صحيح. يعود إلى معنى " الإبل ".
وهو الأبعرة. والله أعلم.
(فلما انطلقنا قلنا " أو قال بعضنا لبعض " : لا يبارك الله لنا. أتينا رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم نستحمله ، فحلف : أن لا يحملنا ، ثم حملنا. فأتوه فأخبروه ، فقال : " ما أنا حملتكم. ولكن الله حملكم " ) .
ترجم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لهذا الحديث : قوله تعالى : والله خلقكم وما تعملون . وأراد : أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى. وهذا مذهب أهل السنة. خلافا للمعتزلة.
قال nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : معناه : أن الله تعالى آتاني ما حملتكم عليه. ولولا ذلك : لم يكن عندي ما أحملكم عليه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : يجوز أن يكون أوحي إليه أن يحملهم. أو يكون المراد : دخولهم في عموم من أمره الله تعالى بالقسم فيهم.
(وإني والله ! إن شاء الله ، لا أحلف على يمين ثم أرى خيرا منها ، إلا كفرت عن يميني ، وأتيت الذي هو خير (.
هذه الأحاديث : فيها دلالة على من حلف على فعل شيء أو تركه ، وكان الحنث خيرا من التمادي على اليمين : استحب له الحنث. وتلزمه الكفارة. قال النووي : وهذا متفق عليه.
قال في النيل : فيه دليل : على أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي ؛ إذا كان في الحنث مصلحة. ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه ؛ فإن حلف على فعل واجب ، أو ترك حرام : فيمينه طاعة. والتمادي واجب. والحنث معصية. وعكسه بالعكس.
وإن حلف على فعل نفل : فيمينه طاعة. والتمادي مستحب ، والحنث مكروه.
وإن حلف على ترك مندوب : فبعكس الذي قبله.
وإن حلف على فعل مباح ؛ فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك ، كما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما : ففيه عند الشافعية خلاف.
وقال ابن الصباغ (وصوبه المتأخرون ) : إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال.
وإن كان مستوي الطرفين : فالأصح : أن التمادي أولى ، لأنه قال : " فليأت الذي هو خير ". انتهى.
[ ص: 262 ] قال النووي : وأجمعوا على أنه لا تجب عليه الكفارة ، قبل الحنث. وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث. وعلى أنه لا يجوز تقديمها على اليمين. واختلفوا في جوازها بعد اليمين وقبل الحنث ؛
فجوزها nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأربعة عشر صحابيا ، وجماعات من التابعين. وهو قول جماهير العلماء. لكن قالوا : يستحب كونها بعد الحنث.
واستثنى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : التكفير بالصوم ، فقال : لا يجوز قبل الحنث ، لأنه عبادة بدنية ، فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة ، وصوم رمضان. وأما التكفير بالمال : فيجوز تقديمه ، كما يجوز تعجيل الزكاة.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه ، وأشهب المالكي : لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث بكل حال. وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري.
ودليل الجمهور : ظواهر هذه الأحاديث ، والقياس على تعجيل الزكاة. انتهى.
وأقول : إن المتوجه : العمل برواية الترتيب ، المدلول عليه بلفظ : ثم" ، كما سيأتي بعد ذلك في الشرح. ولولا الإجماع " المحكي سابقا على جواز تأخير الكفارة عن الحنث " : لكان ظاهر الدليل : أن تقديم الكفارة واجب. وأحاديث الباب تدل على وجوب الكفارة ، مع إتيان الذي هو خير. والله أعلم.