قال: فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس ذا الحجة؟" قلنا: بلى. قال: "فأي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم.
[ ص: 267 ] قال: فسكت ، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس البلدة؟ ".
قلنا: بلى. قال: "فأي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس يوم النحر؟".
قلنا: بلى يا رسول الله!
قال: "فإن دماءكم وأموالكم، (قال محمد : وأحسبه قال: ) وأعراضكم: حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. فلا ترجعن بعدي كفارا (أو ضلالا ) يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا، ليبلغ الشاهد الغائب. فلعل بعض من يبلغه، يكون أوعى له من بعض من سمعه" ثم قال: "ألا هل بلغت؟"
قال nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب في روايته : " ورجب مضر". وفي رواية أبي بكر : " فلا ترجعوا بعدي ".]
(الشرح)
(عن nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة ) رضي الله عنه ، (عن النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم قال : إن الزمان ) . أي : السنة. (قد استدار (. أي : عاد [ ص: 268 ] إلى موضعه الذي ابتدأ منه (كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض (.
معناه : أنهم كانوا في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم عليه السلام ، في تحريم الأشهر الحرم. و كان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات. فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال ، أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده ، وهو صفر. ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر ، و هكذا يفعلون في سنة بعد سنة ، حتى اختلط عليهم الأمر ، وصادفت حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحريمهم. وقد تطابق الشرع. وكانوا في تلك السنة قد حرموا ذا الحجة ، لموافقة الحساب الذي ذكرناه. فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أن الاستدارة صادفت ما حكم الله تعالى به ، يوم خلق السماوات والأرض.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : كانوا ينسئون. أي : يؤخرون. وهو الذي قال الله تعالى فيه : إنما النسيء زيادة في الكفر فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم ، فيؤخرون تحريمه إلى صفر ، ثم يؤخرون صفر في سنة أخرى ، فصادف تلك السنة : رجوع المحرم إلى موضعه.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض وجوها أخر ، في بيان معنى هذا الحديث، ليست بواضحة ، وينكر بعضها.
(السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ؛ ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم. ورجب ، شهر مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ) .
[ ص: 269 ] القعدة " بفتح القاف. و " الحجة ، بكسر الحاء. هذه اللغة المشهورة. ويجوز في لغة قليلة : كسر القاف ، وفتح الحاء.
قال النووي : وقد أجمع المسلمون على أن الأشهر الحرم الأربعة : هي هذه المذكورة في الحديث. ولكن اختلفوا في الأدب المستحب في كيفية عدها ؛
فقالت طائفة من أهل الكوفة ، وأهل الأدب : يقال : المحرم ، ورجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة. ليكون الأربعة من سنة واحدة.
وقال علماء المدينة ، والبصرة ، وجماهير العلماء : هي ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب. ثلاثة سرد ، وواحد فرد.
قال : وهذا هو الصحيح ، الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة ، منها هذا الحديث الذي نحن فيه. وعلى هذا الاستعمال أطبق الناس من الطوائف كلها..
وقيل : " ذو القعدة " ، لأنهم كانوا يقعدون فيه عن الأسفار.
وإنما قيد " رجب " بهذا التقييد : مبالغة في إيضاحه ، وإزالة اللبس عنه.
قالوا : وقد كان بين بني مضر ، وبين ربيعة : اختلاف في " رجب ". فكانت مضر تجعل رجبا : هذا الشهر المعروف الآن. وهو الذي بين جمادى وشعبان.
[ ص: 270 ] وكانت ربيعة تجعله "رمضان". فلهذا أضافه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مضر.
ثم قال : " أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال : " أليس ذا الحجة ؟ " قلنا : بلى. قال : "فأي بلد هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : فسكت ، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال : " أليس البلدة ؟ " قلنا : بلى ) .
" والبلدة " : اسم خاص بمكة. كالبيت بالكعبة.
(قال : "فأي يوم هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال : " أليس يوم النحر ؟ " قلنا : بلى. يا رسول الله ! ) .
هذا السؤال ، والسكوت ، والتفسير ، أراد به : التفخيم ، والتقرير ، والتنبيه : على عظم مرتبة هذا الشهر ، والبلد ، واليوم.
وقولهم : " الله ورسوله أعلم ، هذا من حسن أدبهم ، وأنهم علموا أنه [ ص: 271 ] صلى الله عليه وآله وسلم : لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب. فعرفوا أنه ليس المراد : مطلق الإخبار بما يعرفون.
(قال : فإن دماءكم وأموالكم. قال محمد ) هو ابن سيرين ، الراوي لهذا الحديث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16329عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة : (وأحسبه قال : وأعراضكم : حرام عليكم. كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا (.
المراد بهذا كله : بيان توكيد غلظ تحريم الأموال ، والدماء ، والأعراض. والتحذير من ذلك. وهذا موضع ترجمة الباب.
والأعراض : جمع "عرض" بالكسر. وهو موضع المدح والذم من الإنسان ، سواء كان نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره.
ولا حجة فيه ، لمن يقول بالتكفير بالمعاصي. بل المراد به : كفران [ ص: 272 ] النعم. أو هو محمول على من استحل قتال المسلمين بلا شبهة (ألا ، ليبلغ الشاهد الغائب ) .