(عن أنس ) رضي الله عنه ، (أن أخت الربيع ) بفتح الراء (أم حارثة ، جرحت إنسانا ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " القصاص القصاص " ) هما منصوبان. أي : أدوا القصاص وسلموه ، إلى مستحقه. (فقالت أم الربيع ) بفتح الراء وكسر الباء وتخفيف الياء : (يا رسول الله ! أيقتص من فلانة ؟ والله لا يقتص منها. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " سبحان الله ! يا أم الربيع ! القصاص كتاب الله" ) أي : القصاص في " السن " موجب كتاب الله. وهو قوله تعالى : " والسن بالسن " .
وقيل : قوله تعالى : والجروح قصاص والأول هو الظاهر. والله أعلم.
(قالت : لا. والله ! لا يقتص منها أبدا ) .
ليس معناه : رد حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. بل المراد به : الرغبة إلى مستحق القصاص أن يعفو. وإلى النبي صلى الله عليه وآله [ ص: 304 ] وسلم في الشفاعة إليهم في العفو. وإنما حلفت ، ثقة بهم : أن لا يحنثوها أو ثقة بفضل الله ولطفه : أن لا يحنثها. بل يلهمهم العفو.
وقيل : إنه وقع ذلك منها ، قبل علمها بوجوب القصاص. وقيل غير ذلك.
وجميع ما قيل لا يخلو من بعد. ولكنه يقربه ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من الثناء عليها : بأنها ممن أبر الله قسمه. ولو كانت مريدة بيمينها رد ما حكم الله به : لكانت مستحقة لأوجع القول وأفظعه.
(قال : فما زالت حتى قبلوا الدية. فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " إن من عباد الله ، من لو أقسم على الله لأبره " (أي : لا يحنثه لكرامته عليه.
والثاني : أن في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : أن الحالف "لا تكسر ثنيتها ، هي أم الربيع. بالفتح. وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : أنه أنس بن النضر.
قال العلماء : المعروف في الروايات : رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري. وقد ذكرها من طرقه الصحيحة. كما ذكرنا عنه. وكذا رواه أصحاب كتب السنن.
قلت : إنهما قضيتان ؛ أما الربيع الجارحة في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وأخت الجارحة في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : فهي بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء. وأما أم الربيع الحالفة في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : فبفتح الراء وكسر الباء وتخفيف الياء.
أحدها : مذهب عطاء ، والحسن : أنه لا قصاص بينهما في نفس ولا طرف. بل تتعين دية الجناية ، تعلقا بقوله تعالى : والأنثى بالأنثى .
الثاني : وهو مذهب جماهير العلماء ، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم : ثبوت القصاص بينهما ، في النفس ، وفيما دونها ، مما يقبل القصاص. واحتجوا بقوله تعالى : النفس بالنفس إلى آخرها. وهذا ، وإن كان شرعة لمن قبلنا ، وفي الاحتجاج به خلاف مشهور للأصوليين ؛ فإنما الخلاف إذا لم يرد شرعنا بتقريره وموافقته. فإن ورد ، كان شرعة لنا بلا خلاف. وقد ورد شرعنا بتقريره ، في حديث أنس هذا. والله أعلم.
والثالث : هو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وأصحابه : يجب القصاص بين الرجال والنساء في النفس. ولا يجب فيما دونها.
ومنها : وجوب القصاص في " السن " وهو مجمع عليه ، إذا أقلعها كلها. فإن كسر بعضها ، ففيه وفي كسر سائر العظام : خلاف مشهور للعلماء. والأكثرون : على أنه لا قصاص. والله أعلم. انتهى.
( [ ص: 307 ] قلت : " الحديث " فيه دليل على وجوب القصاص في السن. وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك. وهو نص القرآن ، وظاهر الحديث وجوبه. ولو كان ذلك كسرا لا قلعا. ولكن بشرط أن يعرف مقدار المكسور ، ويمكن أخذ مثله من سن الكاسر. فيكون الاقتصاص : بأن تبرد سن الجاني إلى الحد الذاهب من سن المجني عليه. كما قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد.
وقد حكي : الإجماع على أنه لا قصاص في العظم الذي يخاف منه الهلاك.
وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، والحنفية : أنه لا قصاص في العظم ، الذي ليس بسن ، لأن المماثلة متعذرة ، لحيلولة اللحم والعصب والجلد. والله أعلم.