(عن علقمة بن وائل ؛ أن أباه ) رضي الله عنه (حدثه ؛ قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وآله (وسلم ، إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة (بنون مكسورة ، ثم سين مهملة ساكنة ، ثم عين مهملة. قال النووي : هي حبل من جلود مضفورة.
وقال في القاموس : " النسع ، بالكسر ؛ "سير " ينسج عريضا ، [ ص: 309 ] على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال. والقطعة منه : "نسعة ". وسمي نسعا لطوله. الجمع : " نسع " بالضم. ونسع بالكسر "كعنب" وأنساع ونسوع. انتهى.
(فقال : يا رسول الله ! هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " أقتلته ؟ (فقال : إنه لو لم يعترف ، أقمت عليه البينة ) قال : نعم ، قتلته. قال : "كيف قتلته ؟ " قال : كنت أنا وهو نختبط من شجرة ) أي : نجمع " الخبط ". وهو ورق السمر ، بأن يضرب الشجر بالعصا ، فيسقط ورقه فيجمعه علفا.
ووقع في نسخة : "نحتطب ". من الاحتطاب.
(فسبني فأغضبني ، فضربته بالفأس على قرنه (أي : جانب رأسه (فقتلته ) .
( [ ص: 310 ] ولأن الحكم بالإقرار : حكم بيقين. وبالبينة : حكم بالظن.
(فقال له النبي صلى الله عليه وآله (وسلم : " هل لك من شيء ، تؤديه عن نفسك ؟ " قال : مالي مال ، إلا كسائي ) وفأسي. قال : " فترى قومك يشترونك ؟ قال : أنا أهون على قومي من ذاك. فرمى إليه بنسعته ، وقال : " دونك صاحبك ، فانطلق به الرجل. فلما ولى ) قال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " إن قتله فهو مثله " ) .
قال النووي : الصحيح في تأويله : أنه مثله في أنه ، لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر. لأنه استوفى حقه منه. بخلاف ما لو عفا عنه ، فإنه كان له الفضل والمنة ، وجزيل ثواب الآخرة ، وجميل الثناء في الدنيا..
وقيل : هو مثله ، في أنه قاتل ، وإن اختلفا في التحريم والإباحة ، لكنهما استويا في طاعتهما الغضب ، ومتابعة الهوى. لاسيما وقد طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه العفو. كما في بعض طرق الحديث: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إنما سأله أن يعفو عنه ، فأبى.
قال النووي : إنما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قال بهذا اللفظ ، الذي هو صادق فيه : لإيهام لمقصود صحيح. وهو أن الولي ربما خاف فعفا. والعفو مصلحة للولي والمقتول في ديتهما. لقوله : " يبوء بإثمك.. إلخ ".
وفيه : مصلحة للجاني. وهو إنقاذه من القتل.
فلما كان العفو مصلحة : توصل إليه بالتعريض. وقد قال الضمري وغيره من العلماء : يستحب للمفتي إذا رأى مصلحة في التعريض للمستفتي : أن يعرض تعريضا يحصل به المقصود. مع أنه صادق فيه.
ولما أخاف صلى الله عليه وآله وسلم : ولي المقتول بذلك التعريض ، خاف (فرجع. فقال : إنه بلغني أنك قلت : " إن قتله فهو مثله " وأخذته بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم ) ترغيبا له في العفو ، وإرشادا له إلى المصلحة : (أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك ؟ ) .
ومعناه : يتحمل إثم المقتول بإتلافه مهجته ، وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه. ويكون قد أوحي إليه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ، في هذا الرجل خاصة.
[ ص: 312 ] ويحتمل : أن معناه : يكون عفوك عنه سببا لسقوط إثمك ، وإثم أخيك المقتول.
والمراد : إثمهما السابق بمعاص لهما متقدمة ، لا تعلق لها بهذا القاتل. فيكون معنى "يبوء ) : يسقط. وأطلق هذا اللفظ عليه مجازا. والله أعلم.
(قال : يا نبي الله ! - لعله - قال : " بلى ،. قال : " فإن ذاك كذاك ".
قال : فرمى بنسعته ، وخلى سبيله ) .
معناه : لعله : أن لا يبوء بإثمي وإثم صاحبي. فقال : بلى ، يبوء بذلك.
قال عياض : فيه أن قتل القصاص ، لا يكفر ذنب القاتل بالكلية. وإن كفر ما بينه وبين الله تعالى. كما جاء في الحديث الآخر : "فهو كفارة له. ويبقى حق المقتول ". انتهى .
قال في النيل : استدل المصنف. " يعني : صاحب المنتقى " بهذا الحديث ، على أنه يثبت القصاص على الجاني بإقراره. وهو مما لا أحفظ فيه خلافا. إذا كان الإقرار صحيحا ، متجردا عن الموانع. انتهى.