فكتبوا: إنا، والله! ما قتلناه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ، ومحيصة ، وعبد الرحمن : "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟" [ ص: 326 ] قالوا: لا. قال: "فتحلف لكم يهود ؟" قالوا: ليسوا بمسلمين. فواداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده؛ فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: مائة ناقة، حتى أدخلت عليهم الدار.
فقال سهل فلقد ركضتني منها ناقة حمراء .]
(الشرح)
(عن سهل بن أبي حثمة ) ، عن رجال من كبراء قومه : أن عبد الله بن سهل ، ومحيصة ، خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم ) هو بفتح الجيم. وهو الشدة ، والمشقة.
(فأتى محيصة فأخبر ؛ أن عبد الله بن سهل ، قد قتل وطرح في عين. " أو فقير" ) هو على لفظ " الفقير" من الآدميين وهو هنا: البئر القريبة القعر ، الواسعة الفم.
وقيل : هو " الحفيرة " التي تكون حول النخل.
(فأتى يهود فقال : أنتم ، والله ! قتلتموه. قالوا : والله ! ما قتلناه. ثم أقبل حتى قدم على قومه ، فذكر لهم ذلك ) .
هذا الحديث ؛ ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم باختلاف ألفاظه وطرقه. وهو أصل [ ص: 327 ] من أصول الشرع ، وقاعدة من قواعد الأحكام ، وركن من أركان مصالح العباد. وبه أخذ العلماء كافة ، من الصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم من علماء الأمصار الحجازيين والشاميين والكوفيين وغيرهم ، " رحمهم الله تعالى ". وإن اختلفوا في كيفية الأخذ به.
وروي عن جماعة : إبطال القسامة ، وأنه لا حكم لها ولا عمل بها. منهم : nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره.
(ثم أقبل هو وأخوه " حويصة ، (وهو أكبر منه ) ، وعبد الرحمن بن سهل. فذهب محيصة ليتكلم (وهو الذي كان بخيبر ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمحيصة : "كبر. كبر " يريد : السن ) أي : دع من هو أكبر منك سنا يتكلم.
(فتكلم حويصة ) بضم الحاء ، وفتح الواو ، وتشديد الياء. مصغرا. وقد روي التخفيف" ) فيه ، وفي محيصة.
(فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " إما أن يدوا صاحبكم. وإما أن يؤذنوا بحرب " ) .
معناه : إن ثبت القتل عليهم بقسامتكم ؛ فإما أن يدوا. أي : يدفعوا إليكم ديته. وإما أن يعلمونا أنهم ممتنعون من التزام أحكامنا ، فينتقض عهدهم ، ويصيرون حربا لنا.
وفيه : دليل لمن يقول : الواجب بالقسامة : الدية ، دون القصاص. (فكتب رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم إليهم ، في ذلك. فكتبوا : إنا ، والله ! ما قتلناه. فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم لحويصة ، ومحيصة ، وعبد الرحمن : " أتحلفون ، وتستحقون دم صاحبكم ؟ " ) هذا موضع ترجمة الباب.
وفيه : دليل على مشروعية القسامة. ومن قال : إنها غير ثابتة ، قال : لمخالفتها لأصول الشريعة من وجوه ؛
وإنما يجوز لهم الحلف ، إذا علموا ، أو ظنوا ذلك. وإنما عرض صلى الله عليه وآله وسلم عليهم اليمين ، إن وجد فيهم هذا الشرط. وليس المراد : الإذن لهم في الحلف من غير ظن. ولهذا (قالوا : لا ) .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، والجمهور : يحلف الورثة ، ويجب الحق بحلفهم : خمسين يمينا. واحتجوا بهذا الحديث.
وفيه : التصريح بالابتداء بيمين المدعي. وهو ثابت من طرق كثيرة صحاح لا تندفع. قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : وعليه أجمعت الأمة ، قديما وحديثا.
فقال معظم الحجازيين : يجب. وهو قول مالك ، وأحمد ، والشافعي. قال أبو الزناد : قلنا بها ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون. إني لأرى أنهم ألف رجل ، فما اختلف منهم اثنان.
وقال الكوفيون ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أصح قوليه : لا يجب به القصاص ؛ وإنما تجب الدية. وإليه ذهب أبو حنيفة ، وأصحابه.