(عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ) رضي الله عنها ، (زوج النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع جلبة خصم ) بتقديم الجيم. وفي رواية : " لجبة " بفتح اللام والجيم والموحدة.
[ ص: 400 ] قال النووي : وهما صحيحان. والجلبة واللجبة : اختلاط الأصوات.
والخصم هنا : الجماعة. وهو من الألفاظ التي تقع على الواحد والجمع. (بباب حجرته ، فخرج إليهم ، فقال : إنما أنا بشر ) .
قال النووي : معناه : التنبيه على حالة البشرية. وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئا ، إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك. وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ، ما يجوز عليهم. وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر والله يتولى السرائر ، فيحكم بالبينة واليمين ، ونحو ذلك من أحكام الظاهر ، مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك. ولكنه إنما كلف الحكم بالظاهر. انتهى.
" والبشر " يطلق على الجماعة والواحد. بمعنى أنه منهم. والمراد : أنه مشارك للبشر في أصل الخلقة. ولو زاد عليهم بالمزايا التي اختص بها في ذاته وصفاته. والحصر هنا مجازي ، لأنه يختص بالعلم الباطن. ويسمى : " قصر قلب " ، لأنه أتى به ردا على من زعم : أن من كان رسولا فإنه يعلم كل غيب ، حتى لا يخفى عليه المظلوم من الظالم. وقد أطال الكلام على بيان معنى هذا الحصر : علماء المعاني والبيان. فليرجع إلى ذلك..
(وإنه يأتيني الخصم ، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض ، فأحسب أنه صادق ، فأقضي له ) .
[ ص: 401 ] قال النووي : لو شاء الله لأطلعه " صلى الله عليه وآله وسلم " على باطن أمر الخصمين ، فحكم بيقين نفسه ، من غير حاجة إلى شهادة أو يمين. لكن لما أمر الله تعالى أمته باتباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه ، أجرى له حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور ، ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه. فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره ، ليصح الاقتداء به ، وتطيب نفوس العباد للانقياد للأحكام الظاهرة ، من غير نظر إلى الباطن. والله أعلم.
(فمن قضيت له بحق مسلم (يعني : بظاهر يخالف الباطن. فهو حرام يئول به إلى النار.
والتقييد " بالمسلم " ، خرج على الغالب. وليس المراد به : الاحتراز عن الكافر. فإن مال الذمي ، والمعاهد ، والمرتد ، في هذا : كمال المسلم. والله أعلم..
(فإنما هي قطعة من النار (.
فيه : دليل على إثم من خاصم في باطل ، حتى استحق به في الظاهر شيئا هو في الباطن حرام عليه. وأن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل ، حتى يصير حقا في الظاهر ويحكم له به : أنه لا يحل له تناوله في الباطن. ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم.
وفيه : أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقضي بالاجتهاد ، فيما لم ينزل عليه فيه شيء. وخالف في ذلك قوم. وهذا الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم.
وفيه : أنه ربما أداه اجتهاده : إلى أمر فيحكم به. ويكون في الباطن بخلاف ذلك. قال الحافظ : لكن مثل ذلك لو وقع ، لم يقر عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، لثبوت عصمته.
قال : وفي هذا الحديث دلالة لمذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وجماهير علماء الإسلام ، وفقهاء الأمصار ، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم : أن حكم الحاكم لا يحيل الباطن. ولا يحل حراما. فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال ، فحكم به الحاكم : لم يحل للمحكوم له ذلك المال. ولو شهدا عليه بقتل ، لم يحل للولي قتله مع علمه [ ص: 403 ] بكذبهما. وإن شهدا بالزور أنه طلق امرأته ، لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق..
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يحل حكم الحاكم الفروج ، دون الأموال. فقال : يحل نكاح المذكورة. قال : وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح ، ولإجماع من قبله. ومخالف لقاعدة وافق هو وغيره عليها. وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال. والله أعلم. انتهى.
وفي المقام : مقاولات ، ومطاولات. ومع وضوح الصواب : لا فائدة في الإطناب.